قال ماركوس أشورت المحلل والخبير بالأسواق المحلية في مقال على بلومبرج الانجليزية، إن الأسواق تبدو في أفضل حالاتها عند مستويات القمة، وهذا ينطبق بشكل متزايد على الذهب مع اقتراب سعره من 3 آلاف دولار للأوقية، فالمعدن النفيس يظهر سلوكًا أشبه بسلعة “فيبلن”، وهي فئة من السلع التي تزداد جاذبيتها مع ارتفاع أسعارها، خلافًا للقوانين الاقتصادية التقليدية، لكن هل يمكن لهذا الزخم أن يستمر؟
أوضح، أن إحدى الإشارات الدالة على أن السوق دخلت مرحلة من هوس المضاربة هي انتشار نظريات تبدو منطقية في ظاهرها لكنها تفتقر إلى أساس قوي، حاليًا، هناك اثنتان من هذه النظريات تتداولها الأوساط المالية.
أضاف، الأولى تتعلق بتكهنات بأن إدارة ترمب قد تعيد تقييم احتياطياتها من الذهب، والتي تُسجل حاليًا في دفاترها عند 42 دولارًا للأوقية، لتتوافق مع السعر الفوري الحالي. هذا التعديل السحري سيضيف حوالي 800 مليار دولار إلى الأصول في الميزانية الأميركية. النتيجة الصافية لهذه الخطوة ستكون تقليل الحاجة إلى بيع مزيد من الديون، وهو أمر إيجابي لسندات الخزانة والدولار. لكن من غير الواضح كيف يمكن أن يدعم ذلك أسعار الذهب.
تابع، أما النظرية الثانية فتتعلق بالسماح لعشر من شركات التأمين الصينية هذا الشهر باستثمار 1% من ميزانياتها في الذهب المادي، وهو ما قد يصل إلى ما يعادل 27 مليار دولار. ومع أن هذه الخطوة كانت متوقعة منذ أشهر في دوائر الذهب، فإن مجرد الحصول على تصريح للشراء لا يعني بالضرورة الاندفاع إلى السوق بكامل القوة عند مستويات قياسية. يُشار عادةً إلى البنك المركزي الصيني باعتباره أكبر مشترٍ للذهب في السنوات الأخيرة. بعد توقف دام عدة أشهر، أضاف البنك 15 طنًا خلال الشهرين الأخيرين من العام الماضي، لكن اللافت أن العلاوة السعرية للذهب المتداول في شنغهاي ترتفع عادة مع ضعف اليوان، وهو ما لم يحدث هذا العام. وهذا يشير إلى أن الطلب الصيني ليس المحرك الرئيسي للارتفاعات الحالية. إذًا، ما الذي يدفع الأسعار إلى الصعود؟
ذكر أن شركة “فاندا ريسيرش” (Vanda Research) للاستشارات تشير إلى أن المؤسسات الاستثمارية في الولايات المتحدة تعيد تنويع محافظها للتحوط من تداعيات مخاطر الرسوم الجمركية التي قد يفرضها ترمب، كما تشير إلى أن معظم مكاسب الأسعار هذا العام تحققت خلال ساعات التداول الأميركية، وليس خلال جلسات التداول الآسيوية، دفعت صناديق استثمار الزخم الأسعار إلى تسجيل مستويات قياسية متتالية، لكن هذا النوع من التدفقات المالية يمكن أن يتراجع بسرعة إذا لم تحافظ السوق على وتيرتها الصعودية.
أشار، إلى أن تعقيدات عمليات تسليم الذهب لعقود “كومكس” (Comex) الآجلة في نيويورك فاقمت أزمة الضغط على المراكز المكشوفة. فالجميع يدرك أن الذهب لا يحقق عوائد، ويكلف تخزينه مبالغ طائلة، لكن نقله جوًا من مستودعات في لندن أو تورونتو أو زيورخ إلى نيويورك يضيف مستوى جديدًا من التكاليف، نادرًا ما تستمر الفروقات الكبيرة في الأسعار بين الأسواق (فرص المراجحة) لفترة طويلة، مع ذلك، بدأت صناديق المؤشرات المتداولة المدرجة في الولايات المتحدة أخيرًا في تلقي تدفقات، بعد أن كانت بالكاد تلفت الانتباه خلال صعود الذهب في العام الماضي.
أضاف، أن القواعد التقليدية للذهب تبدو معطلة حاليًا، باستثناء قاعدة واحدة، وهي أن الذهب، الذي يوصف بـ”الصخرة الأليفة”، يظل التحوط الكلاسيكي ضد التضخم، حاليًا، ينصب التركيز بشكل كبير على التأثيرات التضخمية للرسوم الجمركية، رغم أن الأمر حتى الآن لا يزال أقرب إلى صراع سياسي على النفوذ منه إلى واقع اقتصادي ملموس. على الرغم من ذلك، فإن مؤشر نفقات الاستهلاك الأساسية، وهو المؤشر الذي يراقبه “الاحتياطي الفيدرالي” عن كثب، ظل دون 3% طوال العام الماضي، بالمثل، لا تزال مقايضات التضخم لخمس سنوات قريبة من 2.5%. نعم، هذه المعدلات تتجاوز هدف “الاحتياطي الفيدرالي” البالغ 2%، لكن جيروم باول يبدو مرتاحًا لهذا الوضع، مع ميل واضح نحو تيسير السياسة النقدية. يقدّر محللو “دويتشه بنك” أن جميع الرسوم الجمركية الأميركية المحتملة، وردود الفعل الانتقامية لن تضيف أكثر من 0.4% إلى مؤشر أسعار المستهلك الأميركي. هذا قد يفسر جزءاً من قوة الذهب، لكنه لا يبرر ارتفاعه بنسبة 45% خلال العام الماضي.
لفت، إلى أن ترمب يركز على الحفاظ على وضع الدولار كعملة احتياطية عالمية، وليس الترويج لبديل منافس. عادةً ما يكون للذهب علاقة عكسية مع الدولار، كما أن العوائد المرتفعة لسندات الخزانة الأميركية تُعد “نقطة ضعف” الذهب. وأي تراجع في مستويات اقتراض الحكومة الأميركية من شأنه تقليل المخاوف التي يتغذى عليها ارتفاع سعر الذهب حاليًا، علاوة على ذلك، ليس من المتوقع حدوث صدمات اقتصادية أو نقدية وشيكة في الأفق. بل على العكس، يبدو أن البيئة الجيوسياسية آخذة في التهدئة. ومن المؤكد أن أسواق الأسهم لا تُظهر قلقًا يُذكر حيال مخاطر الرسوم الجمركية، بل إن مؤشر “داكس” الألماني يتصدر الأداء هذا العام، رغم أنه قد يكون هدفاً محتملاً لغضب ترمب.
أفاد أن “جافيكال ريسيرش” (Gavekal Research) تشير إلى أن جميع مبررات الصعود الحالية للذهب واضحة ومعروفة، في حين أن العوامل التي قد تدفعه للهبوط غير محددة بعد. كما أن إبرام اتفاقيات سلام في أوكرانيا أو الشرق الأوسط قد يقوض الزخم الصعودي للذهب بشكل حاد. من الجدير بالملاحظة أيضًا أن المرافقين المعتادين لهذا المعدن الأصفر، مثل شركات تعدين الذهب المادي أو المعادن الثمينة الأخرى كالفضة، لا يشاركونه الاندفاعة ذاتها. فالذهب قد يكون محمومًا في الوقت الحالي، تمامًا كما تأخذ بتكوين استراحة، لكن الفشل في تجاوز مستوى 3 آلاف دولار أو الحفاظ عليه لفترة طويلة قد يؤدي إلى تبدد بعض الحماسة المحيطة به.