كثيرًا ما تُسهم الدراما والسينما في الترويج للمُجوهرات، والتي تُعد جزءًا أصيلًا في التعبير عن المضمون الثقافي والاجتماعي للعمل وشخصياته، وتزخر السينما المصرية بأعمال كانت شاهدة على بعض من قطع الحلي والمجوهرات التي ارتدتها المرأة المصرية خلال القرن العشرين، فعادة ما تمثل السينما والدراما دور الشاهد على ضعف أو ازدهار الحركة الفنية للفترة التي تدور خلالها أحداث العمل السينمائي والتلفزيوني.
ومن بين تلك الأفلام، فيلم دعاء الكروان الذي حظي ببعض من القطع التاريخية والتراثية التي اعتدت المرأة المصرية على ارتداءها خلال تلك الفترة.
عرض فيلم دعاء الكروان عام 1959 م، عن قصة طه حسين؛ عميد الأدب العربي، وسيناريو وحوار يوسف جوهر، وإخراج هنري بركات وبطولة فاتن حمامة سيدة الشاشة العربية في دور آمنة، واحمد مظهر في دور مهندس الري.
ويعد «دعاء الكروان» أول فيلم يمثل مصر رسميًا فى مسابقة الأوسكار العالمية، كما احتل الفيلم المرتبة السادسة من بين أفضل 100 فيلم في تاريخ السينما العربية.
وتدور أحداث الفيلم في إحدى قرى صعيد مصر، ويعد الحلي من مظاهر وعادات وتقاليد المرأ الصعيدية، وجزء أصيل من تراثها.
ذكر إدوارد لين في كتابه “المصريون المحدثون.. شمائلهم وعاداتهم”، عن وصف حُلي المرأة المصرية خلال القرن التاسع عشر، أن للمصريين طرز كثيرة من العقود، غير أنها جميعًا تكاد تتشابه.
ظهر الكردان خلال أحداث الفيلم، وبالتحديد خلال المشهد الذي جمع بين مهندس الري”أحمد مظهر” وفاتن حمامة “آمنة”.
ويسمى هذا الكردان بـــ “عش هرامات”، ويتألف العقد من ثلاثة مثلثات أو خمس، بجانب سلسلة تلف حول الرقابة.
وارتدت “آمنة” ثلاثة أقراط متدلية من شحمة الأذن، مختلفة ومتباينة خلال أحدث الفيلم، بعضها يتفق مع حالتها بالملابس الصعيدية، وبعضها يتناسب مع ارتداءها للملابس المودرن مع نهاية الفيلم.
ضعف الصورة لم يمكنا من تحديد ماهية الثلاث أقراط، غير أن الملاحظة الشكلية لها، يمكن توصيفها في قرطين يأخذان شكل الكرة الدائرية المفرغة، لكن أحدهما محاطًا بإطار معدني، وقرط ثالث يتألف من حجر كريم كمثري الشكل.
بينما ظهرت الفنانة ميمي شكيب في دور “زنوبة” قارئة الودع، مرتدية كردان وحلق وحجاب، يُعرف هذه الحلق باسم حلق «هَنَّانِي»، وهو من الأقراط الشعبية التي كانت ترتديها المرأة المصرية، حتى منتصف القرن العشرين، وأطلق عليه «هناني»، لأن الزوج يقدمه لزوجته، كدليل على محبته لها، وكان كبير الحجم وثقيل الوزن، ويصنع من الذهب عيار ٢١، ويتكون شكل الحلق من بعض الرموز الشعبية الدينية، بتكرار فردي ٧ أو ٥ ، حيث تمنع الأعداد الفردية في المعتقدات الشعبية من «التثنية»، ما يمنع زواج الرجل على زوجته من امرأة أخرى.
وارتدت ” زنوبة”كردان “عش العروسة” أو بيت العروسة، وصنع الصائغ الشعبي هذا العقد بفلسفة مختلفة، لحماية وحفظ بيت الزوجية من العين والحسد، ويتألف هذا العقد من دورين أو عدة أدوار، وفقا للوضع الاجتماعي للمرأة، لأنه كان ثقيل الوزن وكان يصل إلى نحو 200 جرام من الذهب، وصنع أيضًا من الذهب القشرة للطبقات المتوسطة والفقيرة، ويتوسط العقد “الهلال” ويعلوه “أبو الهول” كحارس للبيت، ومن الأسفل ” القلب”، ويتدلى من العقد الخمسة وخميسة للحماية من العين والحسد.
ارتدت ” زنوبة” أيضًا، على جانبي الرأس حجاب مثلث، تتدلى منه ثلاث شرابات بدوائر صغيرة تشبه الأجراس، ويستخدم هذه الحجاب للحماية من الصداع.
انتشرت في مصر الأحجبة، والتمائم، بقصد الحماية والوقاية من الشر والحسد، وتمثل الأحجبة جزءًا من مصاغ حُلي المرأة، فهو يؤدي وظيفة الحماية والرقية، بجانب وظيفة التزيين، واستخدام في كثير منها آيات من القرآن الكريم، والأحاديث النبوية، وبعض الرموز الدينية للديانات الثلاث.
وخلال حوار المشهد الذي جمع بين “آمنة” والبشمهندس، قالت آمنة ” ..”عشت وشفت القشرة الذهب”.
“الذهب القشرة” ظهر مع بداية القرن العشرين، كمحاولة يهودية للسيطرة على سوق الذهب مرة أخرى من أيدى الأرمن، وأسس اليهود حينها 3 علامات تجارية جديدة هي الجمل والسمكة والزرافة، واختصوا بإنتاج مشغولات ذهبية من عيار 21، وأيضًا مشغولات الذهب القشرة، وكان لكل منهم مجموعة كبيرة من منافذ البيع في كل أنحاء الجمهورية.
وكانت مصوغات الذهب القشرة، من النحاس المغطاة بطبقة سميكة من الذهب، وكانت تنتشر هذه المصوغات بين نساء القري والأرياف أكثر من الحضر، نظرًا لرخص ثمنها، إذ كانت هذه المصوغات تضاهي في أشكالها وجودتها المصوغات الذهبية المتداولة بالأسواق.