أطلقت مصممة الحُلي الدكتورة رحاب عبد العال أحدث مجموعاتها الفنية تحت عنوان «لوتس – Lotus»، المستوحاة من زهرة اللوتس التي شكّلت أحد أبرز رموز الجمال والتجدد والنقاء في الحضارة المصرية القديمة.

اللوتس.. زهرة النيل ورمز الخلود
تُعد زهرة اللوتس من أقدم وأجمل النباتات التي عرفها المصري القديم، إذ ارتبطت بأسطورة الخلق في الديانة المصرية القديمة، حيث خرجت زهرة اللوتس من مياه الفوضى الأولى لتنبثق منها الشمس، في إشارة إلى ميلاد الحياة والنور، وقد رمزت إلى النقاء والتجدد، وإلى فكرة البعث اليومي للشمس.
عرفت اللوتس في اللغة المصرية القديمة باسم «سِشن» (Sesen)، وكانت تنمو بكثرة على ضفاف النيل، خاصة في الدلتا وصعيد مصر، وكانت تُستخدم كعنصر زخرفي أساسي في المعابد، والأعمدة، والحُلي، لما تحمله من دلالات روحية وجمالية عميقة، كما ارتبطت بالإله نفرتيم، الذي يُصوَّر حاملاً زهرة اللوتس على رأسه، في إشارة إلى القوة الإلهية المنبثقة من النور والجمال.
وتُظهر الزخارف المصرية القديمة – المحفوظة اليوم في متاحف عالمية مثل المتحف البريطاني ومتحف المتروبوليتان – كيف كانت اللوتس عنصرًا فنيًا جوهريًا في المشغولات المعدنية والمجوهرات الملكية، بوصفها رمزًا للحياة والبعث والاتساق مع الطبيعة.
مسيرة أكاديمية وفنية ثرية
تخرّجت الدكتورة رحاب عبد العال في كلية التربية الفنية عام 2003، وعُيّنت معيدة بقسم الأشغال الفنية – تخصص أشغال معادن، وفي عام 2009 نالت درجة الماجستير عن رسالتها بعنوان «الوسائط التشكيلية غير المعدنية لإثراء التعبير الفني في الحُلي المعدنية»، ثم استكملت دراستها لتحصل على الدكتوراه عام 2016 عن «المتغيرات الجمالية في تناول الوسائط اللونية لتحقيق صياغات تشكيلية مبتكرة في المشغولة المعدنية».

صقلت عبد العال خبرتها الأكاديمية بالتطبيق العملي من خلال دراستها في مركز تكنولوجيا الحُلي التابع لوزارة التجارة والصناعة، والمعتمد من معهد برجو الإيطالي، إلى جانب دراسات اجتماعية وعلاجية بالفنون التشكيلية من المعهد الكندي للتنمية البشرية.
الحُلي.. هوية فنية وروحية
تؤمن د. رحاب بأن صياغة الحُلي ليست مجرد مهارة فنية، بل لغة تشكيلية تعبّر عن الذات والهوية، فهي توظف وسائط لونية متعددة مثل الأحجار الكريمة وشبه الكريمة، والمينا والزجاج، داخل تكوينات معدنية فضية مطلية بالذهب، لتُقدّم أعمالاً تجمع بين الأصالة والمعاصرة.
شاركت عبد العال في العديد من المعارض الفردية والجماعية التي كشفت عن رؤيتها الخاصة في التعبير الفني، منها «خيال مآتة»، «رسمة في حدوتة»، و*«لمسة طبيعية»*، حيث استطاعت عبرها أن تُبرز البُعد الإنساني في تصميم الحُلي كفن بصري متكامل.

مجموعة “لوتس”.. حوار بين التراث والمعاصرة
في مجموعتها الجديدة «لوتس»، أعادت د. رحاب قراءة الرمز المصري القديم من منظور عصري، فصاغت تصاميمها باستخدام الفضة المشكلة بالحرارة والمطلية بالذهب، مع توظيف أحجار الفيروز والعقيق والمرجان والجمشت والتوباز، لتخرج قطعًا تنبض بالحياة وتجمع بين الروح المصرية القديمة وجماليات التصميم الحديث.
تقول عبد العال إن المجموعة تمثل بالنسبة لها «حوارًا بين الماضي والمستقبل، بين التراث والتجديد»، مؤكدة أن استلهام اللوتس لم يكن اختيارًا زخرفيًا بقدر ما هو استحضار لرمز فلسفي وجمالي يعبر عن الخلود والحياة المتجددة التي آمن بها المصري القديم، والتي ما زالت تلهم الفنان المعاصر في البحث عن الجمال والمعنى.
بهذه المجموعة، تثبت د. رحاب عبد العال أن فن الحُلي المصري المعاصر قادر على إعادة إحياء رموز التراث بروح جديدة، تجمع بين الفكر الأكاديمي والرؤية الفنية، وبين الأصالة المصرية والابتكار العالمي، لتقدّم أعمالاً تحمل رسالة فنية مفادها أن الجمال – مثل اللوتس – يولد من النور مهما كانت الجذور في عمق الطين.












































































