دفعت حالة عدم اليقين بشأن الرسوم الجمركية، إلى جانب الطلب القوي من صناديق المؤشرات المتداولة (ETFs) والبنوك المركزية، أسعار الذهب إلى مستويات قياسية تجاوزت 4000 دولار للأوقية في 2025، ومع دخول مصادر طلب جديدة، من بينها شركات التأمين الصينية العملاقة ومجتمع العملات المشفّرة، قد يتمكن المعدن الأصفر من اختراق مستوى 5055 دولارًا للأوقية بحلول نهاية 2026، وفقًا لتقديرات بنك جيه بي مورجان.
وبعد عام شهد طلبًا انفجاريًا ومكاسب سعرية غير مسبوقة، تشير توقعات البنك لعام 2026 إلى استمرار السوق الصاعد، مع بقاء المحركات الرئيسية قوية.
وقالت ناتاشا كانيفا، رئيسة استراتيجية السلع العالمية في جيه بي مورجان: «في حين أن هذا الصعود في أسعار الذهب لم يكن، ولن يكون، خطيًا، فإننا نعتقد أن الاتجاهات التي تقود إعادة تسعير الذهب صعودًا لم تُستنفد بعد. الاتجاه طويل الأجل لتنويع الاحتياطيات الرسمية واستثمارات الأفراد نحو الذهب لا يزال أمامه مجال للاستمرار. ونتوقع أن يدفع الطلب أسعار الذهب باتجاه 5,000 دولار للأوقية بنهاية 2026».
ويُعد ضعف الدولار، وانخفاض أسعار الفائدة الأمريكية، وحالة عدم اليقين الاقتصادي والجيوسياسي من العوامل الداعمة تقليديًا لأسعار الذهب، وقد لعبت جميعها دورًا في موجة الصعود الحالية. وأشار البنك إلى أن الذهب أدّى دورًا مزدوجًا، كأداة تحوّط من تآكل القيم النقدية، وكمنافس غير مُدرّ للعائد لسندات الخزانة الأمريكية وصناديق أسواق المال.
وقال جريجوري شيرر، رئيس استراتيجية المعادن الأساسية والثمينة في جيه بي مورجان: «في الربع الثالث من 2025، بلغ إجمالي طلب المستثمرين (صناديق المؤشرات، العقود الآجلة، السبائك والعملات) والبنوك المركزية نحو 980 طنًا، أي بزيادة تفوق 50% عن متوسط الأرباع الأربعة السابقة».
وأضاف التقرير أن «950 طنًا تعادل تدفقات طلب فصلية بنحو 109 مليارات دولار عند متوسط سعر 3,458 دولارًا للأوقية في الربع الثالث من 2025، أي أعلى بنحو 90% من متوسط الأرباع الأربعة السابقة».
وتستند توقعات الأسعار لدى جيه بي مورغان للأبحاث العالمية إلى استمرار قوة طلب المستثمرين، إلى جانب الطلب المتواصل من البنوك المركزية، والذي يُتوقع أن يبلغ في المتوسط 585 طنًا ربع سنويًا خلال 2026.
وقال شيرر: «نواصل الاعتماد على العلاقة بين أحجام الطلب الفصلية من المستثمرين والبنوك المركزية والأسعار لاشتقاق توقعاتنا لسعر الذهب. وبالنظر إلى 2026، نتوقع في المتوسط نحو 585 طنًا من الطلب الفصلي، تتوزع بين 190 طنًا من البنوك المركزية، و330 طنًا من طلب السبائك والعملات، إضافة إلى 275 طنًا سنويًا من صناديق المؤشرات والعقود الآجلة، معظمها مُقدّم في بدايات العام».
وأوضح التقرير أن هذه العلاقة تفسر نحو 70% من التغير الفصلي في سعر الذهب، وتشير إلى أن ارتفاع الأسعار يتطلب صافي طلب فصلي لا يقل عن 350 طنًا من المستثمرين والبنوك المركزية. «وكل 100 طن إضافية فوق هذا المستوى تعادل ارتفاعًا بنحو 2% في السعر على أساس فصلي».
ومن المتوقع أن تظل البنوك المركزية ركيزة دعم أساسية لسوق الذهب. وكتب تقرير جيه بي مورجان: «حتى بعد ثلاث سنوات متتالية تجاوزت فيها مشتريات البنوك المركزية 1,000 طن سنويًا، فإن الاتجاه الهيكلي للشراء المرتفع لا يزال مستمرًا في 2026». وأضاف أن البنك يتوقع مشتريات بنحو 755 طنًا في 2026، وهو مستوى أدنى من ذروة السنوات الثلاث الماضية، لكنه يظل أعلى بكثير من متوسط ما قبل 2022، الذي تراوح بين 400 و500 طن.
وأشار التقرير إلى أن هذا التراجع «ميكانيكي» أكثر منه تحولًا هيكليًا، موضحًا: «عند أسعار تدور حول 4000 دولار للأوقية وما فوق، لا تحتاج البنوك المركزية إلى شراء كميات كبيرة من الذهب لتحقيق النسبة المستهدفة من الاحتياطيات».
وأكد شيرر: «نعتقد أن طلب البنوك المركزية سيظل مرتفعًا العام المقبل، وقد شجّعتنا المشتريات القوية في الربع الثالث من 2025، رغم الأسعار المرتفعة».
وتُظهر بيانات صندوق النقد الدولي أن حيازات البنوك المركزية العالمية من الذهب تبلغ نحو 36200 طن، وتمثل قرابة 20% من الاحتياطيات الرسمية بنهاية 2024، مقارنة بـ 15% في نهاية 2023.
وأضاف التقرير: «إذا رفعت البنوك المركزية التي تقل حصة الذهب لديها عن 10% هذه النسبة إلى 10% عند سعر 4000 دولار للأوقية، فسيستلزم ذلك تحوّلًا اسميًا نحو الذهب بنحو 335 مليار دولار، أي ما يعادل 2,600 طن من المشتريات. وحتى عند 5000 دولار للأوقية، فإن التحول يعادل 194 مليار دولار أو نحو 1200 طن».
وأشار شيرر إلى متابعة أكبر حائزي الاحتياطيات الذين تقل حصة الذهب لديهم عن 10%، لافتًا إلى أن البرازيل اشترت 15 طنًا في سبتمبر و16 طنًا في أكتوبر، فيما ناقش بنك كوريا علنًا «خططًا للنظر في مشتريات إضافية من الذهب من منظور متوسط إلى طويل الأجل».
ومن المتوقع أيضًا أن يواصل طلب المستثمرين نموه بعد القوة التي شهدها 2025، وكتب محللو جيه بي مورجان: «في أسواق الذهب المالية، لا تزال مراكز المستثمرين في العقود الآجلة تميل إلى الشراء، أي مع توقعات بارتفاع الأسعار مستقبلًا، ورغم أن العقود الآجلة هي الأسرع من حيث التدفقات، فإنها تمثل جزءًا صغيرًا من حيازات المستثمرين الأوسع، التي تشمل أيضًا صناديق المؤشرات والسبائك والعملات».
ويتوقع البنك تدفقات بنحو 250 طنًا إلى صناديق المؤشرات خلال 2026، في حين يُرجّح أن يتجاوز طلب السبائك والعملات 1200 طن سنويًا مرة أخرى.
وبلغت حيازات المستثمرين من الذهب—بما يشمل صناديق المؤشرات والسبائك والعملات وعقود كومكس—نحو 2.8% من إجمالي الأصول المُدارة للأسهم والدخل الثابت والبدائل بنهاية سبتمبر.
وقال شيرر: «رغم أن حصة الذهب من إجمالي أصول المستثمرين ارتفعت بنحو نقطة مئوية واحدة خلال العامين الماضيين، فإننا نرى إمكانية لارتفاعها إلى 4–5% خلال السنوات المقبلة. وعلى المدى الأطول، نعتقد أن تفوق أداء صناديق الذهب هذا العام مقارنة بالتوقعات—استنادًا إلى تحركات عوائد الولايات المتحدة وحدها—يعكس اتجاهًا هيكليًا أعمق نحو تنويع أكبر في الذهب».
ويرى جيه بي مورجان كذلك فرصًا لتوسع قاعدة مالكي الذهب خلال العام المقبل، مع احتمال أن تمثل شركات التأمين الصينية وصناعة العملات المشفّرة مصادر طلب جديدة.
وقال شيرر: «رغم صعوبة التوقيت الدقيق للمحفزات والتدفقات التي ستدفع الأسعار صعودًا، فإن لدينا قناعة قوية بأن الطلب على الذهب يمتلك القوة الكافية لدفع الأسعار نحو 5000 دولار للأوقية في 2026، بل إن افتراضاتنا بشأن طلب المستثمرين قد تكون محافظة. فقد عرضنا سيناريو تشير فيه عملية تنويع بنسبة 0.5% فقط من حيازات الأصول الأمريكية الأجنبية نحو الذهب إلى طلب جديد كفيل بدفع الأسعار إلى 6000 دولار للأوقية».
وأضاف: «ومع كون معروض المناجم أقل مرونة وبطيئًا في الاستجابة للأسعار المرتفعة، واستمرار قوة الطلب، فإن المخاطر تميل إلى بلوغ هذا الهدف متعدد السنوات بوتيرة أسرع من المتوقع».
ويتوقع جيه بي مورجان للأبحاث العالمية أن يبلغ متوسط سعر الذهب 5055 دولارًا للأوقية في الربع الأخير من 2026، مع ترجيح وصوله إلى 5400 دولار بنهاية 2027.
















































































