استفادت الفضة من الطلب الصناعي والاستثماري القوي خلال عام 2025، إلى جانب مخاوف الرسوم الجمركية التي تسببت في اضطراب غير مسبوق في الإمدادات المادية، ما دفع الأسعار إلى الارتفاع بأكثر من 120% منذ بداية العام.
وبالنظر إلى الفترة المقبلة، ترى بنوك استثمارية ومؤسسات مالية ومحللون بارزون أن المعدن الرمادي يمتلك مجالًا لمزيد من الصعود خلال العام المقبل، وإن كان من المرجح أن يواجه بعض التراجعات في بدايات 2026.
وحذر محللو شركة Heraeus في تقرير توقعات المعادن النفيسة لعام 2026 من أن أسعار الفضة، إلى جانب باقي المعادن النفيسة، قد تميل إلى التراجع خلال الجزء الأول من عام 2026.
وقالوا إن «الموجة الصعودية التي دفعت الذهب والفضة إلى مستويات قياسية، وأسعار معادن مجموعة البلاتين إلى أعلى مستوياتها منذ سنوات، رفعت الأسعار بسرعة أكبر مما تحتمله الأساسيات»، مشيرين إلى أنه «رغم إمكانية تسجيل مزيد من الارتفاعات على المدى القريب، فإن تراجع الزخم سيقود على الأرجح إلى فترة من التماسك السعري».
وأضافوا أن «الأسعار المرتفعة تؤثر سلبًا على الطلب على الفضة في عدد من القطاعات»، لكنهم أكدوا أنه «إذا واصل الذهب الصعود، فمن المرجح أن تحذو الفضة حذوه».
وترى Heraeus أن عدة قطاعات للطلب على الفضة ستواجه صعوبات في عام 2026، متوقعة تراجع الطلب من قطاع الطاقة الشمسية، مع تفوق جهود ترشيد استخدام الفضة على نمو التركيبات الجديدة.
وأوضحت أن «بعد عدة سنوات من النمو القوي، من المتوقع أن يتباطأ نمو تركيبات الخلايا الشمسية إلى نحو 1% في 2026، عقب تغييرات في السياسات داخل الصين، أكبر سوق عالمي»، مشيرة إلى أن «ارتفاع أسعار الفضة أعاد تنشيط محاولات تقليل استخدامها في الأنظمة الشمسية، من خلال تقنيات الطباعة الدقيقة، وتعديلات تصميم الخلايا، والسعي لاستخدام معادن أرخص». وأضافت أن الطلب الصناعي الآخر ينمو عادة بما يتماشى مع نمو الاقتصاد العالمي، الذي يواجه تباطؤًا نسبيًا في ظل الرسوم الجمركية الأمريكية التي عقدت آفاق التجارة.
ومثل الذهب، أدى ارتفاع أسعار الفضة إلى تراجع الطلب على المجوهرات وأدوات المائدة الفضية، وهو اتجاه تتوقع Heraeus استمراره في 2026.
وقال المحللون إن «الهند تمثل نحو 40% من الطلب العالمي على مجوهرات الفضة، ونحو ثلثي سوق الأدوات الفضية، إلا أن المستهلكين أصبحوا أقل قدرة على الشراء مع صعود الأسعار»، لافتين إلى أن واردات الهند من الفضة انخفضت بنسبة 14% على أساس سنوي حتى أكتوبر.
كما توقع المحللون أن تدفع الأسعار المرتفعة إلى زيادة معدلات إعادة التدوير، وأشاروا إلى أنه «حتى إذا تراجعت الأسعار عن مستوياتها الحالية، فمن المرجح أن يكون متوسط سعر الفضة في 2026 أعلى من 2025، وهو ما يشجع عادة على زيادة المعروض من إعادة التدوير».
وأضافوا أن معظم إنتاج الفضة يأتي كمنتج ثانوي من مناجم الذهب والنحاس والرصاص والزنك، ومع توقع نمو إنتاج هذه المعادن بشكل طفيف في 2026، فمن المرجح أن يرتفع إنتاج الفضة أيضًا.
وتوقعت Heraeus أن يعتمد نمو الطلب في 2026 بشكل كبير على الاستثمار، في ظل تراجع متوقع في الطلب على الأدوات الفضية والمجوهرات والتصوير والطاقة الشمسية، إلى جانب ضعف الطلب الصناعي. وأشارت إلى أن الاهتمام الاستثماري بالفضة ليس مضمونًا، إذ شهد تذبذبًا خلال 2025، حيث يؤدي ارتفاع الأسعار إلى تراجع مبيعات العملات الفضية، بينما تفاوت الطلب على السبائك بحسب الدول، مع إقبال قوي من المستثمرين الأفراد في الهند. كما ارتفعت حيازات الصناديق المتداولة المدعومة بالفضة بنسبة 17% لتصل إلى 835 مليون أوقية في أكتوبر، قبل أن تشهد بعض عمليات جني الأرباح.
وتتوقع Heraeus أن تتداول أسعار الفضة في نطاق يتراوح بين 43 و62 دولارًا للأوقية خلال عام 2026، مؤكدة أن الفضة استثمار أعلى تقلبًا من الذهب، وأن العوامل الداعمة لأسعار الذهب — مثل المخاطر الاقتصادية والجيوسياسية، والسياسات المالية والنقدية الأمريكية، وخفض أسعار الفائدة، وتأثير ذلك على الدولار — ستنعكس كذلك على الفضة.
وفي سياق متصل، توقعت TD Securities في تقريرها لتوقعات 2026 أن تميل أسعار الفضة إلى التراجع نحو منتصف الأربعينات من الدولارات خلال العام، مشيرة إلى أن السوق انتقلت من مرحلة «الضغط على المعروض» إلى ما وصفته بـ«فيضان الفضة»، مع عودة كميات ضخمة إلى مخزونات لندن.
وقالت إن أكثر من 212 مليون أوقية باتت متاحة في خزائن جمعية سوق السبائك بلندن، وهو ما يغطي قرابة عامين من العجز العالمي، ما يقلل الحاجة إلى ارتفاع الأسعار لإعادة ملء المخزونات. وأشارت إلى أن أحجام التداول الفورية تراجعت بأكثر من 65% منذ ذروتها في أكتوبر، ما يزيد من مخاطر التقلبات السعرية.
وتتوقع TD أن تبدأ الفضة عام 2026 بمتوسط سعر يبلغ نحو 42 دولارًا للأوقية في الربع الأول، مع صعوبة عودة الأسعار إلى مستوياتها المرتفعة الحالية، مرجحة متوسطًا في منتصف الأربعينات لبقية العام، في ظل ارتفاع المخزونات المرئية وتراجع الطلب الصناعي والمادي.
في المقابل، ترى BMO Capital Markets أن أسعار الفضة قد تحافظ على مستويات مرتفعة في 2026، مع متوسط سنوي يبلغ نحو 56.3 دولارًا للأوقية، وذروة محتملة قرب 60 دولارًا في الربع الأخير من العام، مدفوعة بزيادة اهتمام المستثمرين وتصنيف الفضة كمعدن استراتيجي، رغم تحذيرها من مؤشرات تشبع شرائي.
من جانبها، أكدت ماريا سميرنوفا، الشريك الإداري في شركة Sprott، أن مشكلات المعروض التي واجهها سوق الفضة خلال 2025 ما زالت دون حل، وأن الطلب الاستثماري المتزايد فاقم من اختناقات الإمداد، خاصة مع انتقال النقص من لندن إلى شنغهاي، حيث يتركز الاستهلاك الصناعي الفعلي، ولا سيما في قطاع الطاقة الشمسية.
كما رأت ميشيل شنايدر، كبيرة استراتيجيي الأسواق في MarketGauge، أن الفضة لا تزال مقومة بأقل من قيمتها مقارنة بالذهب، متوقعة إمكانية وصول الأسعار إلى 75 دولارًا للأوقية في 2026، معتبرة أي تراجع سعري فرصة للشراء.
في المقابل، حذر المحلل الفني آفي جيلبرت من أن أسواق الذهب والفضة قد تكون في المراحل الأخيرة من الدورة الصاعدة الحالية، مرجحًا تصحيحًا طويل الأجل قد يبدأ خلال 2026، رغم احتمال تسجيل قمة أخيرة بين 75 و80 دولارًا للأوقية قبل ذلك.
وأشار تقرير معهد الفضة إلى أن الطلب الصناعي سيظل داعمًا رئيسيًا للأسعار على المدى الطويل، مع استمرار توسع قطاعات الطاقة الشمسية والسيارات الكهربائية ومراكز البيانات والذكاء الاصطناعي، مؤكدًا أن الفضة ستظل عنصرًا أساسيًا في مسار التحول الطاقي العالمي خلال السنوات المقبلة.













































































