يشهد سوق المشغولات الذهبية في مصر حالة من التباين الاقتصادي والتقني، حيث تتصاعد مصنعية الذهب المستورد، الذي يُعرف في السوق باسم “الإيطالي”، لتصل إلى مستويات قياسية تقارب 1000 جنيه مصري للجرام الواحد،هذا الارتفاع الحاد في المصنعية يبرز الفجوة التكنولوجية والتنظيمية بين الصناعة المحلية ونظيرتها العالمية، على الرغم من التطور الملحوظ الذي حققته المصانع المصرية في السنوات الأخيرة.
الارتفاع القياسي في المصنعية: عوامل التكلفة اللوجستية والتقنية
قال أحمد السيد، تاجر الجملة والخبير في شئون استيراد الذهب، إن الارتفاع الكبير في أجور تصنيع الذهب المستورد يُعزى إلى مجموعة من العوامل المتشابكة، فبالإضافة إلى الرسوم الجمركية التي تفرض على المشغولات المستوردة، والتي تزيد من تكلفتها مقارنة بالمنتج المحلي، هناك تكاليف لوجستية مرتفعة، حيث يتم شحن المجوهرات والذهب عبر الشحن الجوي، وهو ما يتطلب شركات متخصصة ويضيف عبئاً مالياً كبيراً على سعر الجرام النهائي.
أضاف، في حوار صحفي لـ عيار 24، أن العامل الأكثر تأثيراً هو التكنولوجيا الحصرية المستخدمة في التصنيع، فالدول الرائدة في صناعة المجوهرات، مثل إيطاليا وسويسرا، تستخدم تقنيات متقدمة غير متوفرة في مصر حاليًا، ومن أبرز هذه التقنيات أساليب “سوبر هولو” (Super Hollow) و “إلكتروفورم” (Electroform)، هذه الأساليب المتطورة تسمح بإنتاج مشغولات “منفوخة” أو مفرغة من الداخل، مما يمنح القطعة حجمًا بصرياً كبيرًا جدًا، في حين يكون وزنها الفعلي منخفضًا على سبيل المثال، قد يبدو خاتم مصنوع بهذه التقنية بوزن 7 أو 8 جرامات، لكن وزنه الحقيقي لا يتجاوز 2 جرام، ومن ثم فهذه الميزة التكنولوجية تبرر ارتفاع المصنعية، حيث يدفع المستهلك ثمنًا مقابل التصميم المبتكر الذي يوفر مظهرًا فخمًا بوزن خفيف.
تحديات الصناعة المحلية.. الجمارك على الآلات وعائق التكنولوجيا
أوضح أنه على الرغم من وجود طلب كبير من المستهلكين على المنتجات المصنوعة بالتقنيات الحديثة، تواجه الشركات المحلية صعوبات جمة في استيراد هذه التكنولوجيا وتطبيقها، ويأتي في مقدمة هذه الصعوبات الرسوم الجمركية المرتفعة المفروضة على استيراد الآلات والمعدات المتطورة، والتي قد تصل إلى 70% من سعر الماكينة.
أضاف، هذا العبء المالي الكبير يعيق قدرة المصانع المحلية على تحديث خطوط إنتاجها ومواكبة أحدث الأساليب العالمية، مما يبقيها بعيدة عن المنافسة في إنتاج المشغولات ذات الأوزان الخفيفة والتصاميم المعقدة.
لفت، إلى أنه لا يمكن إغفال التطور الذي شهدته الصناعة المصرية في السنوات الأخيرة، فقد نجحت الشركات في خفض متوسط أوزان المشغولات بشكل كبير، حيث أصبح من الممكن إنتاج خواتم وسلاسل بوزن 1 إلى 3 جرامات، بعد أن كان المتوسط يتراوح بين 7 إلى 10 جرامات في الماضي، هذا التطور يعكس جهودًا حثيثة لاستيراد الآلات التي تساعد على تحقيق هذه الأوزان الخفيفة، لكنه لا يزال بعيدًا عن مستوى التكنولوجيا الإيطالية والسويسرية.
مصلحة الدمغة والموازين.. ضمانة الثقة في السوق
أشار، إلى أن سوق الذهب المصري يتمتع بميزة رقابية قوية تكاد تكون فريدة في أفريقيا والشرق الأوسط، وهي وجود مصلحة الدمغة والموازين، هذه الهيئة الحكومية تتولى الإشراف على جميع المشغولات الذهبية، سواء كانت مستوردة أو محلية، وتكشف على عيارها بدقة، فالمنتج المستورد، على سبيل المثال، يدخل الهيئة للتأكد من عياره (750 لعيار 18، و 875 لعيار 21) قبل أن يتم دمغه وإجازته للطرح في السوق.
أضاف، أن هذا النظام الرقابي الصارم، الذي يعود تاريخ تطبيقه الإلزامي إلى عام 1916، يمثل ضمانة قوية للمستهلك المصري، حيث يضمن أن المنتج الذي يشتريه مطابق للمواصفات المعلنة، ويحميه من الوقوع ضحية لمنتجات ورش غير موثوقة أو تلك التي يتم تقليل عيارها عمدًا، وهي ظاهرة قد تحدث في بعض المنتجات القادمة من أسواق خارجية لا تفرض رقابة حكومية صارمة.
الخلط في المصطلحات.. “الإيطالي” ليس بالضرورة إيطالياً
أوضح، أنه يسود في السوق المصري عرف تجاري يقضي بإطلاق اسم “الإيطالي” على جميع المشغولات المستوردة التي تحمل دمغة عيار 18 (750)، هذا المصطلح لا يعني بالضرورة أن المنتج صُنع في إيطاليا، بل يشمل أيضًا المشغولات القادمة من مراكز تصنيع عالمية أخرى مثل تركيا ودبي، والتي أصبحت مراكز رئيسية في صناعة الذهب، ويعود هذا العرف إلى أن إيطاليا كانت من الدول السباقة في هذا المجال، كما أن بعض الشركات الإيطالية الكبرى تفتتح مصانع لها في تركيا ودبي.
أضاف، أن هناك مفاهيم خاطئة أخرى سائدة، مثل الاعتقاد بأن الذهب عيار 21 “يكسب” بينما عيار 18 “يخسر”، هذا الاعتقاد غير دقيق، حيث أن قيمة الذهب الأساسية مرتبطة بسعر الخام العالمي، والاختلاف يكمن في نسبة النحاس المضافة لتصنيع المشغولات.
تحدي الابتكار وإحياء الموروث الحضاري
أشار إلى أن القطاع المحلي يواجه تحديًا استراتيجيًا يتمثل في الميل إلى تقليد التصاميم المستوردة التي تحقق رواجًا، بدلًا من الابتكار وتطوير تصاميم جديدة، ويشير الخبراء إلى أن مصر تمتلك موروثًا ثقافيًا وحضاريًا هائلًا، خاصة في الحضارة المصرية القديمة، حيث تزخر المتاحف بأشكال فريدة من الأساور والمشغولات الذهبية، هذه التصاميم التاريخية يتم تقليدها حاليًا من قبل كبرى الشركات العالمية مثل “كارتير”.
أضاف، إن توجيه جهود التصميم والإنتاج نحو إحياء هذا الموروث الثقافي يمكن أن يمنح الصناعة المصرية ميزة تنافسية فريدة ويعزز من قدرتها على المنافسة في الأسواق الإقليمية والعالمية.
أوضح، أن المنافسة الفعالة في سوق المشغولات الذهبية المصري تتطلب معالجة جذرية للتحديات الهيكلية، وعلى رأسها تسهيل استيراد التكنولوجيا الحديثة من خلال مراجعة الرسوم الجمركية على الآلات، وتشجيع المصانع على الاستثمار في الابتكار القائم على الهوية الثقافية. وفي الوقت نفسه، يظل النظام الرقابي لمصلحة الدمغة والموازين هو الركيزة الأساسية التي تضمن جودة المنتج وثقة المستهلك في هذا السوق الحيوي.














































































