في ظل تصاعد التوجهات التشددية من قبل الاحتياطي الفيدرالي، بات الذهب في موقع دفاعي، بينما تحوّلت أنظار المستثمرين نحو “المعادن البيضاء” مثل الفضة والبلاتين، التي سجلت أداءً قويًا مؤخرًا، وفقًا لأحدث تحديثات “هيرايوس” لسوق المعادن الثمينة.
الذهب يتراجع أمام صعود “البيض”
في تقريرها الأخير، أوضحت “هيرايوس” أن الذهب سجل أسوأ أداء بين المعادن النفيسة خلال الأسبوع المنتهي في 20 يونيو، حيث تراجع بنسبة 1.64% ليغلق عند 3370 دولارًا للأوقية، ورغم قفزته الأولية بعد الضربات الأمريكية لإيران، فإن السوق أظهرت إشارات استرخاء واضحة تجاه التوترات الجيوسياسية، مع عودة الاستقرار النسبي للأسعار.
الفيدرالي يشد الخناق
رغم إبقاء الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي على أسعار الفائدة عند مستوى 4.5% خلال اجتماعه الأخير، فقد أظهر البيان تزايد نفوذ الجناح “المتشدد” داخل اللجنة، فبينما لا يزال بعض الأعضاء يطالبون بتخفيضات تصل إلى 50 نقطة أساس قبل نهاية العام، يفضّل آخرون الإبقاء على المعدلات دون تغيير، هذا الانقسام أدى إلى دعم الدولار بشكل طفيف، وهو ما ضغط على الذهب.
وأوضح التقرير أن تصريحات جيروم باول، رئيس مجلس الاحتياطي، عكست تحوّطًا واضحًا، مشيرًا إلى أن أي خفض للفائدة لن يتم قبل التأكد من أن سياسات ترامب التجارية (وخاصة الرسوم الجمركية) لا تساهم في تأجيج التضخم.
رغم ذلك، لا يزال متداولو المقايضات يتوقعون خفضين في أسعار الفائدة قبل ديسمبر، وهو السيناريو الذي سيكون الأكثر دعمًا لأسعار الذهب، نظرًا لما قد ينتج عنه من ضعف إضافي في الدولار.
الفضة تتقدم المشهد
أما الفضة، فقد بدأت تجذب اهتمامًا استثماريًا متزايدًا في الأشهر الأخيرة، بعد أن كانت متأخرة خلف الذهب في بداية العام، ففي أول أسبوعين من يونيو، ارتفعت حيازات صناديق المؤشرات المتداولة (ETFs) من الفضة بمقدار 18.2 مليون أونصة، لتصل إلى 759 مليون أوقية، وهو ارتفاع يُعتبر أقوى نسبيًا من نظيره في الذهب، وعلى مدار العام، بلغ إجمالي التدفقات الداخلة نحو 41 مليون أوقية.
ورغم توقعات بانخفاض طفيف في الطلب الصناعي إلى 677 مليون أونصة بسبب تباطؤ مشروعات الطاقة الشمسية، فإن الطلب الإجمالي لا يزال أعلى بنسبة 19% من متوسط السنوات العشر الأخيرة، وسجلت الفضة أعلى مستوى لها خلال الأسبوع الماضي متجاوزة 37 دولارًا، لكنها أغلقت عند 36 دولارًا، بخسارة أسبوعية بلغت 0.65%.
البلاتين.. عودة قوية إلى دائرة الضوء
لكن المفاجأة الأكبر جاءت من البلاتين، الذي جذب اهتمام المضاربين والمستثمرين بقوة. ومع تماسك الذهب أسفل منطقة المقاومة عند 3450 دولارًا، بدأ المتداولون يتجهون إلى البلاتين كبديل مغرٍ، خاصة أن سعره لا يزال يسمح بشراء ثلاثة أضعاف الكمية مقارنة بالذهب بنفس القيمة.
منذ بداية مايو، ارتفعت المراكز المفتوحة لعقود البلاتين الآجلة بنسبة 34%، مقابل 2% فقط للذهب، كما زادت حيازات صناديق المؤشرات من البلاتين بنسبة 1.17% لتصل إلى 3.22 مليون أوقية، بينما ارتفعت حيازات الذهب بأقل من 0.5% في نفس الفترة.
وسجل البلاتين قفزة بأكثر من 20% في يونيو، متجاوزًا أعلى مستوياته منذ أكثر من 10 سنوات، متخطّيًا مستوى 1,339.70 دولارًا الذي بلغه في 2021، لكنه الآن يقترب من مستويات “تخمة في الشراء”، وهو ما قد يُنذر بحدوث تصحيح سعري قريب.
مع ذلك، يواصل البلاتين صعوده القوي؛ إذ بلغ آخر تداول له 1,280.10 دولارًا للأوقية، محققًا مكاسب يومية بنسبة 2.05%.
بينما يعيش الذهب حالة من التردد بسبب الضغوط السياسية والنقدية، بدأت الفضة والبلاتين في سرقة الأضواء، مدفوعةً بزيادة التدفقات الاستثمارية وتحسّن المعنويات، في هذا السياق، يبدو أن المستثمرين يعيدون رسم خريطة المعادن النفيسة وفقًا لمعادلات جديدة، يكون فيها القرار الاستثماري أكثر ارتباطًا بالسعر والتكلفة، وأقل اعتمادًا على “الملاذات الآمنة” التقليدية.