في الهند، لا يُقاس الذهب فقط بالجرامات أو القيراط، بل بالمواسم، فهناك أوقات من العام تتحول فيها متاجر المجوهرات إلى مسارح مكتظة بالزبائن، وترتفع فيها واردات البلاد إلى مستويات قياسية، حتى تكاد تؤثر مباشرة على أسعار الذهب في الأسواق العالمية.
هذه المواسم – آادي، أكشايا تريتيّا، وديوالي – تُشكّل معًا خريطة استهلاك الذهب في أكبر سوق تقليدي للمعدن النفيس.
آادي… انطلاقة الجنوب
في تشيناي ومدن الجنوب، يأتي شهر آادي (يوليو – أغسطس) ليطلق شرارة الحمى الذهبية، رغم أن الشهر كان يُعد قديمًا غير مناسب للزواج، فقد أعادت المتاجر صياغة معناه ليصبح موسم تسوّق محظوظ، فالعروض تتضاعف، والأسعار تُرفق بخصومات تصل إلى 40%، والمجموعات الجديدة تطرح بتصاميم هجينة تمزج بين الإرث الجنوبي واللمسات العصرية.
كما أن جيل Z يقود الطلب عبر تصاميم إنستجرامية، مثل القلادات المخصصة والأقراط الحديثة، ومن ثم ترتفع المبيعات بنحو 35–40%، ما يمنح الأسواق المحلية جرعة تنشيطية وسط صيف عادة ما يكون راكدًا.
أكشايا تريتيّا… موسم البركة والاستثمار
في أبريل – مايو، يأتي دور أكشايا تريتيّا، وهو يوم يرتبط في المعتقدات الهندوسية بالرخاء والازدهار. شراء الذهب في هذا اليوم يُعتبر رمزًا لجلب الحظ، لذلك تشهد المتاجر في عموم البلاد تدفقًا هائلًا من المشترين.
على عكس آادي الذي يظل ظاهرة إقليمية، يُعد أكشايا تريتيّا موسمًا وطنيًا، لكنه أقصر زمنيًا، المبيعات في يوم واحد قد تعادل شهرًا كاملًا من الطلب العادي، ويُسجّل فيه ارتفاع واضح في شراء السبائك والعملات الذهبية إلى جانب الحُلي.
هذا الموسم يُرسّخ الذهب كوعاء ادخار طويل الأمد، ويدفع بالأسعار في البورصات المحلية إلى القفز.
ديوالي… الذروة العالمية
ثم يأتي ديوالي، مهرجان الأنوار، في أكتوبر – نوفمبر، وهو الحدث الأهم عالميًا في سوق الذهب، الشراء هنا ليس خيارًا بل شعيرة دينية: العائلات الهندية ترى في اقتناء الذهب خلال ديوالي مصدرًا للحظ والازدهار.
المتاجر تُغرق الأسواق بعروض هائلة، والمستهلكون يقبلون على شراء كل ما يلمع: من المجوهرات التقليدية إلى السبائك والعملات. خلال هذه الفترة، ترتفع واردات الهند إلى مستويات تجعلها عاملًا رئيسيًا في تحديد أسعار الأوقية عالميًا، في بورصات لندن ونيويورك، يُراقب التجار حركة الطلب الهندي خلال ديوالي كما يُراقبون بيانات الفيدرالي الأمريكي.
الهند تصوغ ملامح سوق الذهب من خلال تقويمها الخاص، فبين آادي الذي ينعش أسواق تشيناي، وأكشايا تريتيّا الذي يحرك الطلب الاستثماري، وصولًا إلى ديوالي الذي يهز الأسواق العالمية، تظل مواسم الذهب الهندية بوصلة للتجار والمستثمرين من مومباي إلى وول ستريت.