يشهد الذهب مرحلة مفصلية في دوره الاقتصادي العالمي، مع تحولات جوهرية طالت الطلب والإنتاج وسلسلة الإمداد، ليظل المعدن النفيس أصلًا استثنائيًا يجمع بين المكانة الاستثمارية والقيمة الصناعية والدور الثقافي عبر العصور.
ويأتي هذا في وقت كشف فيه تقرير صادر عن مجلس الذهب العالمي، عن وصول الاستهلاك العالمي إلى مستويات قياسية قاربت 5 آلاف طن سنويًا، مدفوعًا بتنامي شهية المستثمرين، وتوسع مشتريات البنوك المركزية، وارتفاع الطلب الصناعي.
قفزة في الطلب… والمعدن الثمين يحافظ على جاذبيته
يشير التقرير إلى أن الذهب يتمتع بخصائص تجعل منه أصلًا لا يشبه غيره، سواء لدى المستثمرين الباحثين عن التحوط، أو المستهلكين الذين يثمّنون مجوهراته، أو الصناعات التي تعتمد عليه بفضل خواصه الفيزيائية المتفردة.
وقد عزّزت التوترات الجيوسياسية والضبابية المالية الطلب على الذهب من جانب الصناديق الاستثمارية والمدخرين الأفراد، بينما واصلت البنوك المركزية—ولا سيما في الاقتصادات الناشئة—تكديس المعدن النفيس بوتيرة متصاعدة منذ الأزمة المالية العالمية.
وفي آسيا، وخاصة الصين والهند، ساهمت الطفرة في مستويات الدخل في تنمية الطلب على السبائك والعملات الذهبية والمجوهرات، مما عزز الدور الثقافي والاقتصادي للذهب في المنطقة. كما توسع استخدامه صناعيًا في تقنيات الذكاء الاصطناعي والاتصالات المتقدمة بفضل قدرته العالية على التوصيل والمتانة.
معروض محدود رغم الطفرة… ونمو سنوي لا يتجاوز 1.5%
على الرغم من الطلب التاريخي، يظل نمو المعروض من الذهب محدودًا، حيث لا تزيد الزيادة السنوية على 1.5% فقط، إذ تعمل شركات التعدين غالبًا في مناطق نائية وذات بيئة تشغيلية صعبة.
ورغم ذلك، يسهم القطاع بما يقارب 60 مليار دولار سنويًا لاقتصادات الدول المنتجة عبر الضرائب والوظائف والدعم المباشر للمجتمعات المحلية.
سلسلة الإمداد تحت ضغط… ودعوات واسعة للإصلاح
لتقرير يؤكد أن الصناعة تواجه ضغوطًا متزايدة لاعتماد ممارسات أكثر مسؤولية عبر سلسلة القيمة، بدءًا من التعدين وحتى التكرير والتوزيع، في ظل ارتفاع مطالب المستثمرين والمنظمين بتعزيز الشفافية وحوكمة البيئة والمجتمع (ESG).
وتعمل شركات التعدين الكبرى على تطوير تقنيات تقلل الانبعاثات وتحسن كفاءة التشغيل وتحارب الأنشطة غير المشروعة في سلاسل الإمداد، إلا أن التحديات لا تزال كبيرة، خصوصًا فيما يتعلق بإثبات مصدر الذهب واستدامته وتأثيره البيئي.
فرص أمام الصناعة… والابتكار كلمة السر
يرى التقرير أن التحديات الحالية تمثل فرصة لإعادة هيكلة الصناعة عبر الابتكار والتقنيات الرقمية وأنظمة التتبع، بما يعزّز ثقة المستثمرين ويثبت سلامة سلسلة الإمداد.
ويؤكد أن مستقبل الذهب لن يُبنى فقط على ندرته، بل على قدرته على أن يكون أصلًا موثوقًا وشفافًا ومسؤولًا.
أربع حقائق أساسية يخلص إليها التقرير
-ارتفاع الطلب العالمي على الذهب ويتوسع بوتيرة واسعة تشمل المستثمرين والدول والمستهلكين.
-الصناعة تواجه مطالب قوية للتغيير وتعزيز الاستدامة.
-اللاعبون الرئيسيون بدأوا بالفعل تنفيذ إصلاحات مستفيدين من التكنولوجيا.
-القطاع بحاجة لتعاون أوسع وتبني نماذج جديدة لضمان الشفافية وتعزيز الثقة.
يؤكد التقرير أن الذهب لا يزال ركيزة أساسية في الاستقرار المالي والنمو الاجتماعي والاقتصادي، وأن اللحظة الحالية تمثل فرصة لإبراز مساهمته العالمية وإعادة تأكيد دوره كقوة إيجابية.
ومع تنامي الدعوات للإصلاح، تبدو الصناعة أمام منعطف جديد قد يعيد صياغة مستقبل الذهب لعقود مقبلة.

















































































