شهدت أسواق الذهب والفضة خلال الفترة الأخيرة صعودًا قويًا دفع المعدنين إلى تسجيل مستويات تاريخية جديدة، مع تفوق واضح لأداء الفضة مقارنة بالذهب، ويعكس هذا التحرك حالة من التسعير الاستباقي داخل الأسواق لاحتمال صدور قرارات أمريكية تتعلق بفرض رسوم جمركية على واردات الفضة، في إطار قانون Section 232، وهو ما دفع المستثمرين إلى إعادة تقييم مراكزهم مبكرًا.
قانون Section 232 وتأثيره المحتمل
يمنح قانون Section 232 الحكومة الأمريكية صلاحيات لفرض قيود أو رسوم جمركية على استيراد مواد تراها ذات أهمية للأمن القومي، وتبدأ الإجراءات بتحقيق تجريه وزارة التجارة الأمريكية (U.S. Department of Commerce)، على أن يصدر القرار النهائي عن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، وقد يشمل فرض رسوم مرتفعة أو تحديد حصص للاستيراد.
الفضة بين الاستثمار والصناعة
لا تقتصر أهمية الفضة على كونها معدنًا استثماريًا، بل تُعد عنصرًا رئيسيًا في العديد من القطاعات الصناعية الحيوية، أبرزها الطاقة الشمسية والإلكترونيات وبعض الصناعات المرتبطة بالأمن القومي. وباعتبار الولايات المتحدة مستوردًا صافيًا للفضة، فإن أي قيود على الاستيراد قد تؤدي إلى اضطراب في المعروض المحلي، وهو ما يفسر الحساسية المرتفعة للأسعار تجاه أي إشارات سياسية أو تنظيمية.
مؤشرات على تحركات مبكرة في السوق
ترصد الأسواق عدة مؤشرات تعكس مرحلة تجميع مبكرة، من بينها، تداول السعر الفوري للفضة أعلى من العقود الآجلة في ظاهرة تعرف بـ Backwardation، وارتفاع تكلفة التصنيع على السبائك داخل السوق الأمريكية، وزيادة الإقبال على العقود قصيرة الأجل مقارنة بالعقود طويلة الأجل.
وتشير هذه المؤشرات إلى تحركات من كبار المستثمرين تحسبًا لاحتمال صدور القرار.
سيناريوهات التطور السعري
في حال إقرار الرسوم الجمركية، يُتوقع أن تشهد الفضة ارتفاعات حادة قد تتجاوز أداء الذهب، الذي من المرجح أن يستفيد أيضًا ولكن بوتيرة أكثر تدرجًا، أما في حال تأجيل القرار أو منح إعفاءات، فقد تتعرض الفضة لتصحيح محدود دون الإخلال بالاتجاه العام الصاعد، وفي حال إلغاء المقترح، قد تشهد الفضة تراجعًا مؤقتًا، بينما يُتوقع أن يحافظ الذهب على قدر أكبر من التماسك.
تطورات السياسة النقدية وتأثيرها على الذهب
في سياق متصل، أثار قرار بنك اليابان رفع سعر الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس تداعيات غير مباشرة على الأسواق العالمية، لا سيما من خلال تأثيره على استراتيجيات الكاري تريد (Carry Trade)، التي تعتمد على الاقتراض بالين الياباني منخفض الفائدة للاستثمار في أصول ذات عوائد أعلى عالميًا.
ويمثل هذا التحول ضغطًا على أحد مصادر السيولة الرئيسية في النظام المالي العالمي، خاصة مع تقلص الفارق بين أسعار الفائدة في اليابان والولايات المتحدة، وهو ما يزيد من هشاشة الرافعة المالية ويعزز توجه المستثمرين نحو تقليل المخاطر.
السيولة والبحث عن الملاذ الآمن
تشير تطورات أسواق التمويل إلى ارتفاع تكلفة الوصول إلى السيولة، رغم توافرها، وهو ما يدفع المستثمرين إلى إعادة توجيه استثماراتهم بعيدًا عن الأصول عالية المخاطر، وفي هذا السياق، يبرز الذهب باعتباره ملاذًا آمنًا تقليديًا خارج النظام المالي، لا يرتبط بديون أو أطراف مقابلة.
تعكس التحركات الحالية في أسواق الذهب والفضة حالة من عدم اليقين المرتبط بالسياسات التجارية والنقدية العالمية، وبينما تمثل الفضة رهانًا استثماريًا عالي الحساسية للتطورات التنظيمية، يظل الذهب أداة تحوط رئيسية في مواجهة تقلبات الأسواق وتراجع الثقة في الأصول التقليدية.















































































