ذكر لي مدير تسويق بشركة مجوهرات كبيرة، إن أول درس تعلمناه في العمل، كان « ميصعبش عليك الزبون»، أضف على ذلك هذه المقولة الدارجة والتي تتردد داخل السوق « بناكل عيش من جهل الزبون».
اتباع هذا النهج في التفكير، بضرورة تجهيل المستهلك، يهدف إلى:
أولًا: تحقيق مكسب غير مشروع، إما بتداول مشغولات ذهبية مزيفة العيار والدمغة، أو استغلال جهل المستهلكين لتحقيق مزيدًا من الأرباح، قال لي أحد كبار تجار الذهب لفظًا « مفيش شخص اشترى ذهب متنصبش عليه، ولو الذهب سليم 100 % ، هيتنصب عليه إما في الميزان أو المصنعية، وختمها “اللي مش هيعمل كده، مش هيعرف يكمل في السوق».
ثانياً: إخفاء المعلومات، تبرز أهمية الشخص، والاحتياج إليه، عندما يمتلك معلومة، قد لا تتوافر لدى غيره سر المهنة أو ما يعرب بـ «know – how »، البعض يكره أن يكون المستهلك على علم ودراية.
هاجم كثير من التجار الصفحات التي تم تدشينها من داخل سوق الذهب لنشر الأسعار للمواطنين بصفة دورية، البعض لا يريد للمستهلك أن يحصل على أبسط حقوقه، في معرفة سعر المنتج الذي يشتريه.
قال لى أحد التجار: “الزبون بيدخل المحل وعارف السعر”.. ولماذا الضيق؟، وهل معرفة الزبون لسعر سلعة سيشتريها يعد ذلك جريمة؟.
لكن في ظل عصر أصبح العالم فيه قرية واحدة، من الصعب كتم المعرفة والعلم ، هناك مئات المواقع التثقيفية بمجال الذهب والمجوهرات، ومؤخرًا ظهر مصطلح « الصحافة المتخصصة في مجال الذهب والمجوهرات»، بدوره سيصبح الأمر أصعب على من يظن أنه يستطيع كتم علم، فالمستهلك لديه من المصادر العديدة ما يؤهله ويثقل معلوماته.
وفي الوقت الذي نقول فيه «احنا بناكل عيش من جهل الزبون»، معظم الشركات العالمية تسعى بنفسها لتثقيف المستهلك، ووضع توجيهات ونصائح استرشادية على موقعها لما يخص مجال المجوهرات، وتدور فكرتهم حول هذا المعنى المتكرر دائمًا في معظم التقارير .
Before you determine your budget, you should educate yourself on the basics of jewellery .
«قبل ما تحدد ميزانيك ، يجب عليك أن تثقف نفسك في اساسيات المجوهرات».
من حقوق المستهلك.. المعرفة بما يشتريه، فتثقيفه وتعليمه، حتى لا يقع في النصب، يعد وسيلة تسويقية للمنتجات وللشركات نفسها، تعليم المستهلك كيفية شراء الذهب والألماس ، التفريق بين المزيف والحقيقي، شراء ما يناسب ميزانيته، الاطلاع على كل ما هو جديد ، متى وكيف يستثمر في الذهب، حينما ترتفع قدرة المواطن الشرائية، التوعية والمعرفة ستجعل الذهب وجهته، بل هما وسيلة لزيادة الثقة بين التجار والمستهلك.
السوق المصرية تتبنى شعارًا آخر .. «جهل الحكومة»، من خلال تعمد إخفاء المعلومات الحقيقية والدقيقة عن الجهات الرسمية ، بدافع زيادة أرباح المصنعين والتجار، سواء بالتهرب من الضرائب أو إخفاء طرق تحقيق المكسب السريع وغير المشروع في بعض الأوقات، ولذلك تغيب الشفافية عن السوق ، فلا يوجد أرقام دقيقة عن حجم مبيعات السوق أو حجم الإنتاج، وكل ما ينشر في وسائل الإعلام يعد اجتهادات، ولا يصدر عن مؤسسة رسمية.
نهج تضليل المستهلك والدولة، للتربح والتهرب، أمرًا غير مقبول أخلاقيًا وعقائديًا، وكتم العلم والمعرفة، دليلًا على ضعف قدرة الشخص في اكتساب مزيدًا من المعرفة، وسيبقى في مكانه لن يتقدم، فلا يملك سوى بضع معلومات يتباهى بها، أو في ظنه هم سبب اكتساب الرزق.
وفى الحقيقة لا أستطيع تعميم الأمر، والسوق يضم عدد كبير من تجار الذهب الأمناء، والشرفاء، هم أنفسهم يرفضون هذه السلوكيات التى تصدر عن البعض، ربما ما يؤخذ عليهم فقط أنهم تركوها لتصبح عرفًا.
هذه السطور ليست مهاجمة لأشخاص أو فئة بعينها، هي محاولة لتقديم «نقدًا بناء» ينظم سوق الذهب، بدافع الإصلاح، وأرحب كذلك بالاختلاف.