يعد الذهب وسيلة الادخار والاستثمار الأكثر آمانآ مقارنة بطرائق الاستثمار في المعاملات المالية ، خاصة في ظل الأحداث الجيوسياسية ، وتدهور الأوضاع الإقتصادية ، وتتنوع وسائل استخراج والتنقيب عن المعادن الثمينة ، والتى تتصف بالوعرة ، والقاتلة في بعض الأحيان ، ولكن هناك وسائل لاستخراج الذهب دون إنتهاك لحقوق الإنسان أو الدخول في صراعات دموية ، وتسمى “الذهب الأخلاقي “.
مخاطر تعدين الذهب
تشير عبارة الذهب الأخلاقي إلى الذهب المستخرج من مناجم تحمل شهادة “فيرمايند”، والتى تؤكد على استخراج الذهب بطريقة آمنة وغير دموية ، بعيدًا عن الانتهاكات الإنسانية، أو البيئية ، بخلاف عمليات إنتاج الذهب من مخلفات التعدين ، والتي قد يكون معظمها ملوثآ للبيئة ، خاصة بالنسبة لمناطق القريبة من أماكن التعدين ، بالإضافة إلى سمية المواد الناتجة عن نفايات التعدين ، مثل الزئبق والأرزنيك والرصاص ، ومواد بترولية ، وهذه الطرق متعارف عليها ، والتي تقوم بها بعض شركات التعدين ، وعمليات إلقاء المخلفات في الأنهار المجاورة ، حيث أثبت بحث أجرته حملة ” لا لنفايات الذهب ” أن هناك مايقارب 180 طن من نفايات الذهب تلقي سنويًا في مصادر المياه القريبة، مما يؤدي إلى تسميم مصادر المياة لملايين من البشر والحيوانات والنباتات .
كما يتأثر الهواء بالإشعاعات الصادرة من تعدين الذهب ، عن طريق خروج الكثير من المواد الكيميائية السامة ، والتي تتسبب في تعرية التربة ، وتلويث الهواء ، مما أدى إلى تهجير السكان من مناطق التعدين ، ونفوق الحيوانات والنباتات ، كما أن معالجة الخام نفسه، ينتج عنه كميات ضخمة من النفايات السامة ، وهذا لأن الخام نفسه لا ينتج عنه إلا كميات ضئيلة جدًا من دقائق الذهب الصالحة للتعدين والمعالجة ، فلصناعة خاتم ذهب واحد، نكون قد أنتجنا ما يعادل عشرين طنًا من النفايات ، وذلك عن طريق استخدام سائل السيانيد في الخام المراد استخلاص الذهب منه ، ليقوم بتعرية الخام كاشفًا عن الذهب وتجميعه في بركة ،ومن خلال عملية إلكترو-كيميائية يتم استخلاص الذهب ، وتعد هذه العملية ناجحة وموفرة ، بالرغم من حجم تلويثها المدمر للبيئة ، فهناك ما يعادل 99.9% من هذا الركام المستخلص منه الذهب يتحول لنفايات ، قد تتركها بعض الشركات في مكانها بعد الانتهاء من عملية التعدين ، إلى جانب النفاياتت الصلبة الناتجة عن حفر واستخراج الذهب .
فحسب كثير من الإحصائيات تم رصد انهيار ما يقارب المائتين وعشرين خزان نفايات حول العالم في فترات زمنية متلاحقة، وما نتج عنه من آثار مدمرة أودت بحياة المئات من السكان، وهجَّرت الآلاف، وسمَّمت مصادر المياه لملايين من البشر والحيوانات. وبطبيعة الحال تكون المياه الملوثة إثر نفايات تعدين الذهب ؛ مهلكة لحياة الكائنات البحرية التي تعيش فيها، ومميتة للإنسان والحيوان إذا تم التغذي عليها ، بالإضافة إلى تسخير عمالة الأطفال غير المشروعة في استخراجة ، حيث أشارت تقارير سابقة لمنظمة “هيومن رايتس ووتش”، أن الأطفال الذين لا تتجاوز أعمار بعضهم ثماني سنوات يعملون في مناجم ذهب، قد يتعرضون لمخاطر جسيمة على صحتهم بل وعلى أرواحهم ، لذا كان لابد من تقليل طريق التعدين السائدة ، واستبدالها بالذهب الأخلاقي .
جائزة نوبل والسعفة الذهبية ” الفيرمايند “
صُنعت جائزة نوبل لأول مرة في تاريخها من الذهب الأخلاقي عام 2005، ، حيث تسلمت اللجنة الرباعية التونسية جائزة نوبل للسلام لهذا العام ،و يبلغ وزن جائزة نوبل نحو 150 جرامًا من الذهب عيار 18 قيراطًا ، ويبلغ قطرها 63 مم، وتعد دار سك العملة النرويجية، هي الجهة المسؤولة عن تصميم وإنتاج جائزة نوبل .
بينما صيغت السعفة الذهبية منه، قبل ذلك بعامين ، ويُعد ذلك في حد ذاته تطورًا ، في الترويج لقضية الذهب الأخلاقي، كما لعبت السينما من قبل دورًا هامًّا في محاربة الألماس الدموي، والذي جسد قصته فيلم “الألماس الدموي” الذي قام ببطولته ليوناردو دي كابريو Leonardo .DiCaprio عام
وقامت شركة شوبارد للمجوهرات بتصنيع السعفة الذهبية للمرة الأولى، من الذهب الأخلاقي، للدورة 66 من مهرجان كان السينمائي، حيث صُنعت من الذهب المُستخرج من منجم “لايانادا” بكولومبيا، الحائزعلى شهادة “فيرمايند”، وتم الإعلان عن أن السعفة الذهبية لأول مرة تصنع بوسائل مراعية للبيئة،وبذهب مستخرج من منجم يحترم الشروط البيئية في كولومبيا، وهذا ما يزيد من قيمة الجائزة .
كما حاولت جهات تطوعية التصدي للأساليب غير القانونية وغير الأخلاقية للمناجم، على سبيل المثال المنظمة الكولومبية التي ظهرت عام 2004 من أجل المناجم المسؤولة ، وانتشرت على نطاق واسع من العالم ، لتمد إلى أمريكا اللاتينية وإفريقيا وآسيا ، بحيث تمنح شهادة “فيرمايند” السويسرية لتكرير وتعدين الذهب ، وفقآ لأساليب مشروعة وأخلاقية ، بعيدآ عن تدمير البيئة ، وتفكيك القوى المجتمعية ، بشرط التزامها بمعايير العمل القانونية ، والحد من الآثار الضارة للتعدين غير القانونية ، وضمان التخلص من نفايات الذهب بطرق مشروعة ، بما يكفل حقوق وسلامة الأفراد والمجتمعات .
وبالفعل حصلت العديد من المناجم حول العالم على شهادة فيرمايند، منها 5 مناجم في كولومبيا، ويعد منجم إكويره Íquira الواقع بمدينة هويلا Huila أول منجم في كولومبيا يحصل على هذه الشهادة، ويليه منجم لا يانادا “الأرض الذهبية”، ومنجم كودميّا Coodmilla، ومناجم أخرى مثل de Agosto دي أغوستو 15 في بوليفيا، و منجم «أوريلسا» الواقع في صحراء جنوب البيرو .
وأشارت مديرة منجم أوريلسا “ماريا روزا باهويلو” في تصريحات صحفية ، إلى مدى إلالتزام بالمعايير القانونية ، وتعليم السكان الاهتمام بالبيئة التي يعيشون فيها، ومن ثم نقل هذه المسؤولية إلى الأجيال القادمة، وبواسطة التعدين المسؤول من الناحية البيئية والاجتماعية يمكن إحداث تغيير، وخلق المزيد من الوظائف اللائقة لتحسين نوعية الحياة في المجتمع كله ، كما تسعى السلطات الكولومبية إلى تحديد ضوابط قانونية لقطاع المناجم وإبعاده عن النزاعات الدموية في بلد تمارس 63 % من الأنشطة في هذا القطاع على نحو غير قانوني .
شركات الذهب الأخلاقي
تعد شركة شوبارد للمجوهرات أول شركة في العالم تسهم في حماية الموارد الطبيعية ، وتكفل تضامن اجتماعي لعمال المناجم ، بهدف تحسين حياتهم وحمايتهم من المخاطر ، إلى جانب حصولها على شهادة “الفيرمايند” السويسرية لتكرير الذهب بالاتفاق مع إحدى الشركات السويسرية التي تستخدم أساليب تعدين الذهب بطرق مشروعة غير مضرة بالبيئة لتوسيع نطاق الذهب الأخلاقي .
وفي تصريحات صحفية أشارت “كارولين شوفيليه” مديرة التصميم في شوبارد، “اخترنا توقيع عقد شراكة مع PX Précix نظرًا لخبرتها القيّمة فـي مجال تكرير المعادن الثمينة، كما تشجّع على اعتماد الممارسات البيئية اللائقة وقابلية اقتفاء أثر المعادن ، وتتبع النفايات المنبعثة من استخراج الذهب وتعدينه .
كما قامت شوبارد بطرح مجوهرات من الذهب الأخلاقي ، وطرح الساعة الأولى في العالم المصنوعة من ذهب أخلاقي ، إلى جانب ساعة ” بالم فيرت ” ومجموعة أخرى تحمل اسم “L.U.C XP Fairmined Watch”.
وفي 2018، كانت “شوبار” أول دار كبرى تعلن تزودها بذهب “أخلاقي بنسبة 100% في المجوهرات والساعات المنتجة لديها ، وشعار هذه العلامة التجارية ” التجارة النزيهه ” بما يشمل السعفة الذهبية الخاصة بالفائزين في مهرجان كان السينمائي.
“الفيرمايند والفاير ترايد” للذهب الأخلاقي
ظهرت هيمنة واضحة لشعارين هما “فايرمايند” (التعدين النزيه) وتمنحه منظمة كولومبية غير حكومية، و”فايرترايد” (التجارة النزيهة) الذي تمنحه مؤسسة “ماكس هافيلار” السويسرية، وهذان الشعاران يدعمان مناجم حرفية تستهدف احترام البيئة والالتزام بظروف عمل محددة وملائمة للعمال .
شركات سويسرية تجري فحصًا أمنيًا للمجوهرات والممتلكات
قامت شركة ميتالور بإجراء فحص أمني عالي التقنية عند المدخل في بلدة مارين في غرب سويسرا وهي محاطة بجدران معدنية مموّجة ، لإحصاء حجم الثروة الموجودة بداخل المدينة عبر المطارات أو السجون ، بحيث يتم فحص المجوهرات والهواتف عند المدخل وإجراء تفتيش جسدي وفحص الممتلكات الشخصية، وهي إجراءات إلزامية للمرور أثناء توجهنا إلى غرف الصهر والمختبرات وأماكن التعدين ، و تمتلك ميتالور سعة تكرير تبلغ 800 طن من المعادن الثمينة سنويًا
وطوّرت ميتالور أداة التتبع الخاصة بها مع جامعة لوزان للمساعدة في التأكد من أصل الذهب ، مؤكدة أن الشركة لا تتعامل مع روسيا ، حتى تتمكن من تتبع الذهب ، كما أنها لا تستورد من دبي ذهب ، إلى جانب تجنب الوسطاء وجامعي التعدين الحرفي ، حتى تمثل قاعدة ثابتة للتعدين الأخلاقي ، لا يوجد شك حول موارد الذهب بها .
وتخضع لأربع عمليات تدقيق كل عام من قبل جمعية سوق السبائك في لندن ومجلس المجوهرات المسؤول وسوق لندن للبلاتينيوم والبلاديوم، ومن قبل السلطات السويسرية بشكل أساسي، بحيث تختار هذه الهيئات ما لا يقل عن 30 إلى 40 من منتجي الذهب والتأكد من سلامة العمل وفقى لنظام قانوني وأخلاقي نزيهه .
دور المستهلك في زيادة الطلب على الذهب الأخلاقي
من الواجب على المتعاملين بأسواق الذهب أن يعرفوا مصادر الذهب ، وطرق تكريره ، بهدف تشجيع الطرق المشروعة للذهب الأخلاقي ، حتى تندثر وسائل التعدين المدمرة في العالم كله ، كما يجب على الحكومات تتبع مناجم الذهب ، ووضع قوانين صارمة تضبط عملية استخراج وتعدين وتكرير الذهب بطرق أمنة ومشروعة ، بعيدآ عن الطرق الكيميائية المدمرة للبيئة ، إلى جانب مراقبة المداخل وفحص المجوهرات الذهبية جيدآ ،عن طريق نظام تحقق قوي.