تقف صناعة الألماس العالمية عند مفترق طرق حاسم، حيث يواجه هذا السوق العريق ضغوطًا اقتصادية عالمية غير مسبوقة، تتشابك مع تحولات متسارعة في سلاسل الإمداد وتغيرات جوهرية في اتجاهات المستهلكين، وبينما تتغير قواعد اللعبة، تلوح في الأفق مؤشرات تعافٍ خجولة، مدفوعة بتراجع المعروض من الألماس الطبيعي وتزايد نفوذ الألماس المزروع في المختبر، في بيئة يسيطر عليها عدم اليقين.
قال محمود جمال، الباحث الاقتصادي، أن أسعار الألماس وحجم التجارة يظهر تحولًا لافتًا في ديناميكية السوق، فقد بلغ متوسط سعر الألماس الطبيعي الخام عالميًا في مايو ويونيو 2025 نحو 135 دولارًا للقيراط، مسجلًا انخفاضًا يقارب 18% مقارنة بمستويات عام 2023.
أضاف، وقد شهدت أسعار بعض فئات الألماس المزروع عالي الجودة ارتفاعًا بنسبة 12% إلى 15% منذ بداية العام، خصوصًا في الفئات الخالية من العيوب، مدفوعة بطلب قوي من الأسواق الأمريكية والهندية.
وقد سجل مؤشر RapNet Diamond Index (RAPI) للماس بوزن 1 قيراط تراجعًا بنسبة 1.2% في مايو وحده، مما يعكس استمرار ضعف القطاع التقليدي، على صعيد حجم التجارة، بلغت قيمة تجارة الألماس العالمية في عام 2024 نحو 90 مليار دولار، بانخفاض ملحوظ عن 110 مليارات دولار في عام 2019.
يُقدر حجم سوق الألماس المزروع بنحو 28.2 مليار دولار في 2025، مع توقعات بنمو سنوي مركب يفوق 10% حتى نهاية العقد، ليُشكل رافدًا متصاعدًا في سوق الأحجار الكريمة، كمؤشر على هشاشة السوق، سجلت الهند، أكبر مركز عالمي لتقطيع وصقل الألماس، تراجعًا بنسبة 23% في شحنات الألماس الخام خلال مايو، رغم زيادة سنوية قدرها 9%، ما يعكس اضطراب السوق بفعل توقعات العقوبات والرسوم الجمركية.
تحديات الصناعة
أوضح، جمال، ان صناعة الألماس تواجه تحديات كبيرة، حيث تُثقل التقلبات الاقتصادية، كالتضخم المرتفع وارتفاع أسعار الفائدة، كاهل الطبقات المتوسطة في الاقتصادات الكبرى (الولايات المتحدة وأوروبا)، مما يقلل الإنفاق على السلع الكمالية كالألماس.
أضاف، أن استمرار انخفاض تكلفة إنتاج الألماس المزروع، يزداد الضغط على أسعار الألماس الطبيعي، هذا الواقع دفع شركات رائدة مثل De Beers إلى إغلاق ذراعها الصناعي Lightbox بعد انهيار الأسعار بنسبة 90%، في خطوة تعكس إعادة تشكيل استراتيجيات القطاع.
أشار، إلى أن الأزمات الجيوسياسية تُعيد رسم خريطة التجارة، فالعقوبات الغربية على الألماس الروسي (28% من الإنتاج العالمي) خلقت فجوة في الإمدادات، لكن إعادة توجيه التجارة إلى مراكز مثل دبي والهند ساعدت في التخفيف.
أضاف، أن التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والهند تُلقي بظلالها، وتهدد استقرار أكبر مركز عالمي لتجارة الألماس بفرض تعريفات جمركية جديدة.
لفت، إلى أن المستهلك أصبح أكثر وعيًا بمصدر الألماس وأخلاقيات إنتاجه، حيث تتزايد الضغوط على الشركات لتبني ممارسات استدامة أكثر صرامة وشفافية، مع تتبع صارم لسلاسل الإمداد لتلبية هذه التطلعات الجديدة.
أوضح، ان الجغرافيا السياسية امتدت لتؤثر مباشرة على الأسعار وتكاليف الإنتاج، بينما استفادت مراكز مثل دبي من إعادة توجيه تجارة الألماس الروسي، ظل تأثير هذه التحولات على الأسعار محدودًا نسبيًا بسبب انخفاض الطلب العالمي العام.
أضاف، أن التوترات في شرق آسيا وبحر العرب، أسهمت في رفع تكاليف الشحن والتأمين، مما ضاعف من التحديات أمام المنتجين والمستوردين وأدى إلى تباطؤ في تعافي السوق.
تشير التوقعات بأن تشهد أسعار الألماس الخام تعافيًا طفيفًا بنسبة 5% إلى 7% بنهاية 2025، مدفوعة بانخفاض الإنتاج وتراجع المخزونات. في المقابل، تتوقع تقارير مثل “Lab Grown Diamonds Market Report 2025” أن يتجاوز نمو سوق الألماس المزروع 10.1% هذا العام، ما يعزز مكانة هذا القطاع كقوة دافعة جديدة.
على المدى الطويل، تُشير تقديرات المؤسسات البحثية إلى إمكانية وصول حجم سوق المجوهرات الماسية عالميًا إلى نحو 437 مليار دولار بحلول 2030، لكن تحقيق هذا الهدف يبقى مشروطًا بقدرة الصناعة على معالجة مخاوف الاستدامة والمصادر الأخلاقية، مما يفرض تحديًا كبيرًا على الألماس التقليدي.