أتفق معك.. فالعنوان صادم.
دار حديث بيني وبين أحد أصحاب مصانع الذهب، حول أوضاع السوق، وأقسم الرجل أنه يدفع مرتبات تجاوزت 600 ألف جنيهًا شهريًا بدون إنتاج جرام واحد منذ عدة أشهر.
خلال العام الماضي تراجع حجم إنتاج المشغولات بالسوق المحلي بنحو يتجاوز 40 % ، وسجلت طلبات التشغيل صفرًا في بعض الشهور، واعتمدت الشركات في أرباحها على مخزون المشغولات المتداول بالأسواق، وفي المقابل ارتفعت حركة إنتاج ومبيعات السبائك والجينهات بصورة فائقة.
خلال هذه الفترة تشهد أسواق الذهب حالة من التزاحم على محلات الذهب، مع تزايد مخاوف المواطنين من ضبابية الأزمة الاقتصادية، واستمرار تراجع قيمة الجنيه، ما يدفهم للإقبال على شراء الذهب كملاذ آمن للتحوط وحفظ قيمة أموالهم من مخاطر تآكل العملة المحلية، لاسيما مع التوقعات باستمرار ارتفاع أسعار لمستويات تاريخية، بعد أن لامس سعر جرام الذهب عيار 21 مستوى 2260 جنيهًا خلال تعاملات الأسبوع الماضي، وهو أعلى سعر سجل في تاريخ مصر حتى الآن.
في السنوات الأخيرة شهد السوق المحلي إنتاج المصانع لسبائك ذهبية مغايرة ومختلفة عما كان يتداول بالسوق من قبل، إذ كانت تنحصر بين المستورد والبلدي، وتعد الأخيرة من مستلزمات الإنتاج، الأشكال الجديدة وحملات التسويق والدعاية الممنهجة، أدتو إلى تنامي الطلب السنوي عليها بغرض الاستثمار، لاسيما مع تراجع مصنعيتها مقارنة بالمشغولات، ووفقًا لبيانات مجلس الذهب العالمي، ارتفعت مشتريات المصريين من السبائك من 2.4 طن في 2021 إلى 4.5 طن في 2022.
تدافع الناس على السبائك والجنيهات، يفقدها ميزة انخفاض مصنعيتها، فالإقبال يرفع الطلب في ظل انخفاض المعروض نتيجة وقف الدولة للاستيراد، كما يمنح منتفعي السوق الفرصة كاملة لرفع أسعار الذهب لمستويات غير عادلة.
طرح منتج جديد يعزز من قوة السوق، لكن في الحقيقة، هناك تقارب واضح بين مصنعيات المشغولات ومصنعيات السبائك والجينهات، في ظل تقديم الشركات لمنتجات فاخرة تتمتع بتغليف جيد، وعوامل أمان مكلفة، ورسوم دمغة وضريبة قيمة مضافة، قد يستفيد المستهلك من نسبة الاسترداد أو الكاش باك، لكن المشغولات في المقابل، تضيف للسمتهلك قيمة مضافة أخرى وهي التزيين.
تنويع المدخرات بين السبائك والمشغولات، يمثل حماية للمستهلك وللصناعة، أيضًا، فالتدافع على منتج معين، يضر المستهلك من ارتفاع الطلب وارتفاع الأسعار بصورة مبالغ فيها، كما يضر الصناعة من خلال التسبب في خسائرة كبيرة لشركات تصنيع المشغولات، ما يضر بالعاملين بها، وخطوط إنتاج السبائك لا يمكن مقارنتها بإنتاج المشغولات، سواء في مراحل التشغيل أو عدد العاملين.
الشركات التي تتحمل صرف رواتب للعاملين بدون وجود إنتاج، لن تستطيع الصمود طويلًا، وبالتالي هذا التصرف غير الواعي من المواطنين قد يتسبب بصورة غير مباشرة فعليًا في تسريح عمالة أو الإضرار بأسر في ظل ظروف ليست صعبة بل قاسية، وهو مناط هدفي من المقال، ولم أقصد أن لا نشتري السيائك مطلقًا بل يجب أن يتجه ما لديه فائض ورغبة في الادخار في تنويع منتجاته بين المشغولات والسبائك.
السابقون كانوا أكثر وعيًا، وأكثر وسطية بين التزيين والادخار، الزينة والخزينة.