عُرفت الفضة بمكانتها كأحد المعادن الثمينة التي تُستخدم في المجوهرات والزينة وكوسيلة للادخار، لكن ما لا يدركه الكثيرون هو دورها المحوري بوصفها معدنًا صناعيًا لا غنى عنه في قلب الثورات التكنولوجية الحديثة، إن استخدام الفضة في قطاعات مثل الألواح الشمسية، والسيارات الكهربائية، والإلكترونيات الاستهلاكية يمثل محركًا قويًا للطلب العالمي، وبالتالي يؤثر بشكل مباشر على أسعارها في الأسواق العالمية والمحلية.
الفضة أكثر من مجرد زينة أو ادخار:
على عكس الذهب الذي يعتمد طلبه بشكل كبير على الاستثمار والمجوهرات، فإن ما يقارب 50% من الطلب العالمي على الفضة يأتي من الاستخدامات الصناعية، وهو ما يجعل سعر الفضة أكثر حساسية للنمو الاقتصادي العالمي والابتكارات التكنولوجية، فالخصائص الفريدة للفضة مثل كونها الأعلى موصلية كهربائية وحرارية بين جميع المعادن، ومقاومتها للتآكل، ومرونتها، وقابليتها للتشكيل تجعلها لا تقدر بثمن في التطبيقات عالية التقنية.
المحركات الرئيسية للطلب الصناعي على الفضة:
تجعل خصائص الفضة الفريدة منها مادة قيّمة في الثورة الخضراء، من خلال دعمها لمختلف التقنيات والممارسات المستدامة في مختلف الصناعات، على سبيل المثال:
- الطاقة الشمسية: تعتبر صناعة الطاقة الشمسية أكبر محرك للطلب الصناعي على الفضة، حيث تلعب الفضة دورًا حيويًا في إنتاج الخلايا الشمسية ونقل الكهرباء الناتجة عنها، كل لوح شمسي يحتوي على كمية صغيرة (ولكنها ضرورية) من الفضة.
ومع التوجه العالمي نحو الطاقة المتجددة وزيادة الاستثمارات في مشاريع الطاقة الشمسية، يرتفع الطلب على الفضة، وقد أدى ارتفاع سعة الطاقة الكهروضوئية إلى زيادة الطلب العالمي على الكهرباء والإلكترونيات بنسبة 4% في عام 2024، ويعكس هذا الارتفاع الاستخدام الأساسي والمتنامي للفضة في الطاقة الكهروضوئية، التي سجلت رقمًا قياسيًا بلغ 197,6 مليون أونصة العام الماضي 2024.[1]
- السيارات الكهربائية: تعتمد السيارات الكهربائية بشكل مكثف على الفضة في العديد من مكوناتها الأساسية، بما في ذلك:
- الموصلات والمفاتيح: بفضل خصائصها الفائقة في التوصيل الكهربائي، تُجهز جميع الوصلات الكهربائية في السيارات الحديثة بوصلات مطلية بالفضة لتشغيل المحرك، وفتح النوافذ الكهربائية، وضبط المقاعد الكهربائية، وإغلاق صندوق السيارة، وتشغيل وإيقاف ميزات أخرى.
- البطاريات: تستخدم الفضة في بعض أنواع البطاريات والمكونات الإلكترونية الدقيقة.
- الشاشات وأنظمة المعلومات والترفيه: وتحديدًا في لوحات الدوائر المطبوعة (PCBs).
ومع تزايد إنتاج السيارات الكهربائية عالميًا، يزداد استهلاك الفضة لكل سيارة مقارنة بالسيارات التقليدية، في الوقت الحالي يُستخدم أكثر من 60 مليون أونصة من الفضة سنويًا في السيارات، ومع النمو المتوقع لسوق السيارات الكهربائية،[2] من المنتظر أن يتضاعف الطلب على الفضة في قطاع السيارات بمقدار ثلاثة أضعاف بحلول عام 2040.[3]
- الإلكترونيات الاستهلاكية: من مفاتيح الإضاءة إلى الهواتف والأجهزة الذكية وصولًا إلى الحواسيب العملاقة المستخدمة في الذكاء الاصطناعي، تُعد الفضة مكونًا أساسيًا في معظم الأجهزة الإلكترونية،[4] ومن أشهر أمثلة استخدام الفضة في تلك الصناعات:
- الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر: في لوحات الدوائر المطبوعة، والمفاتيح، والموصلات، وشاشات اللمس.
- الأجهزة المنزلية الذكية: الثلاجات، الغسالات، وأجهزة التلفزيون المتصلة بالإنترنت.
- الرقائق الدقيقة وأشباه الموصلات: حيث تضمن الفضة الأداء الأمثل لهذه الرقائق.
على الرغم من أن الكمية المستخدمة في كل جهاز قد تكون صغيرة، فإن الحجم الهائل لإنتاج هذه الأجهزة عالميًا يترجم إلى طلب ضخم ومستمر على الفضة، حيث سجّل الطلب على الفضة في الإلكترونيات والكهرباء مستوى قياسيًا العام الماضي 2024، وارتفع بنسبة 4% ليصل إلى 465,6 مليون أونصة، ويرجع هذا الارتفاع إلى كون الفضة غير قابلة للاستبدال في العديد من هذه التطبيقات.[5]
- المنظفات والبلاستيك: الفضة محفز ممتاز للعديد من التفاعلات الكيميائية، لذا تُستخدم في إنتاج أكسيد الإيثيلين، وهو مادة كيميائية رئيسية تُستخدم في تصنيع البلاستيك، بما في ذلك البوليستر المستخدم في الملابس، وتستخدم المادة نفسها في صناعة المنظفات والمنتجات المصبوبة مثل مقابض العزل للمواقد، كما يُستخدم حوالي 25% من إنتاج أكسيد الإيثيلين في تصنيع سائل تبريد مضاد للتجمد للسيارات وغيرها من المركبات. [6]
يلزم ما يقرب من 10 ملايين أونصة من الفضة سنويًا لإنتاج أكسيد الإيثيلين، وبما أن الفضة لا تتأثر بالتفاعل، فإنها تُستعاد بالكامل تقريبًا بعد كل استخدام.
- تنقية المياه: جزيئات الفضة النانوية فعالة في تنقية المياه عن طريق قتل البكتيريا والطحالب في المرشحات، هذه الخاصية ضرورية لتوفير مياه شرب نظيفة في المناطق التي يكون فيها الوصول إلى المياه النظيفة محدودًا، تُضاف أيونات الفضة إلى أنظمة تنقية المياه في المستشفيات، وشبكات المياه العامة، والمسابح، والمنتجعات الصحية.
- الأجهزة الطبية: ارتبطت الفضة بالطب البشري والرعاية الصحية لأكثر من ألفي عام، فهي تتميز بخصائص طبيعية مضادة للميكروبات، ما يجعلها قيّمة في تطبيقات متنوعة، مثل الأجهزة الطبية والمنسوجات والطلاءات، يساعد استخدام الفضة في هذه المنتجات على الحد من انتشار العدوى والأمراض، مما يساهم في بيئة أكثر صحة واستدامة.[7]
تأثير الطلب الصناعي على أسعار الفضة عالميًا ومحليًا:
الترابط بين الطلب الصناعي وأسعار الفضة ليس مجرد نظرية، وإنما له ديناميكية سوقية واضحة:
- الأسعار العالمية:
- ارتفاع الطلب = ارتفاع الأسعار: عندما تزدهر الصناعات التي تعتمد على الفضة، يزداد الطلب على المعدن الخام، ما يدفع أسعاره العالمية نحو الارتفاع، هذا ما لوحظ في فترات الطفرة في الطاقة المتجددة أو نمو سوق السيارات الكهربائية.
- تقلبات الدورة الاقتصادية: الفضة أكثر حساسية للدورات الاقتصادية مقارنة بالذهب، في فترات الركود، عندما يتباطأ الإنتاج الصناعي، يميل الطلب على الفضة للانخفاض، مما يؤدي إلى تراجع أسعارها.
- نقص الإمدادات: إذا لم تتمكن المناجم من تلبية الطلب المتزايد، خاصة في ظل القيود البيئية والتكلفة المتزايدة للتعدين، قد يؤدي ذلك إلى فجوة بين العرض والطلب تدفع الأسعار للارتفاع بشكل كبير.
- الأسعار المحلية: تتأثر أسعار الفضة في السوق المصري بشكل مباشر بالأسعار العالمية، ولكن مع عوامل إضافية: منها:
- سعر الصرف: نظرًا لأن الفضة يتم تسعيرها عالميًا بالدولار الأمريكي، فإن أي تذبذب في سعر صرف الجنيه المصري مقابل الدولار يؤثر بشكل مباشر على السعر المحلي للأونصة الفضية.
- العرض والطلب المحلي: على الرغم من أن الطلب الصناعي العالمي هو المحرك الأكبر، إلا أن الطلب المحلي على الفضة (كمجوهرات، هدايا، أو ادخار) يلعب دورًا وإن كان ثانويًا، في السنوات الأخيرة ومع ارتفاع أسعار الذهب اتجه كثير من المستهلكين إلى الفضة كبديل أكثر اقتصادية للزينة والادخار، هذا الطلب المحلي يمكن أن يضيف ضغطًا صعوديًا محدودًا على الأسعار في بعض الأحيان.
- تكاليف الاستيراد والجمارك: تؤثر تكاليف الاستيراد والرسوم الجمركية على سعر الفضة النهائية للمستهلك أو الصناعة المحلية.
التوقعات المستقبلية:
إن الدور المتزايد للفضة في القطاعات التكنولوجية الحيوية مثل الطاقة الشمسية والسيارات الكهربائية والإلكترونيات يضعها في مكانة فريدة كاستثمار، فهي ليست مجرد ملاذ آمن للمدخرات، بل هي أيضًا سلعة مرتبطة بشكل وثيق بمستقبل الابتكار العالمي والتحول نحو الطاقة النظيفة.
ومع استمرار الوتيرة المتسارعة لهذه الثورات التكنولوجية، من المرجح أن يستمر الطلب الصناعي على الفضة في الارتفاع، ما قد يساهم في دعم أسعارها على المدى الطويل. على المستثمرين ومتابعي الأسواق أن يدركوا أن الفضة، بفضل تطبيقاتها الصناعية المتعددة، تحمل إمكانات نمو تفوق مجرد كونها معادن ثمينة تقليدية، مما يجعلها عنصرًا حيويًا في الاقتصاد العالمي وفي محافظ المستثمرين على حد سواء.
[1] The Silver Institute. (2025), Silver and Solar Technology, Available at: https://silverinstitute.org/silver-in-industry/#silver_and_solar_technology
[2] Idem.
[3] The Silver Institute. (2025). Silver for a Sustainable Future. Available at https://silverinstitute.org/sustainability/#silver_for_a_sustainable_future
[4] The Silver Institute. (2025), Silver and Solar Technology, Available at: https://silverinstitute.org/silver-in-industry/#silver_and_solar_technology
[5] Idem.
[6] Idem.
[7] The Silver Institute. (2025), Silver The Green Metal. Available at: https://silverinstitute.org/silver-the-green-metal/