تشهد أسعار الذهب ضغوطًا متزايدة خلال تعاملات نهاية يونيو، مع انخفاض النشاط الاستثماري وهدوء المخاوف الاقتصادية والجيوسياسية، ما دفع الأسعار لاختبار مستويات دعم رئيسية، وبرغم هذا التراجع، فإن القلق المتصاعد من أزمة الديون السيادية واستمرار الطلب من البنوك المركزية العالمية قد يشكلان صمام أمان للأسعار خلال موسم الصيف.
افتتح الذهب الأسبوع الماضي عند مستوى 3369 دولارًا للأوقية، لكنه سرعان ما خسر نحو 2.8% من قيمته ليُغلق عند حدود 3274 دولارًا، في ظل ضعف السيولة وتراجع الإقبال على أصول الملاذ الآمن، ويبدو أن الذهب يتجه لتثبيت تداولاته ضمن نطاق أفقي بين 3200 و3500 دولار للأوقية، بحسب المحلل المستقل جيسي كولومبو، الذي أشار إلى أن الحركة الحالية لا تشكّل انهيارًا بقدر ما تعكس موجة تصحيح طبيعية في موسم تداول بطيء.
ويُعزى هذا الأداء الضعيف إلى عدة عوامل، أبرزها تحسُّن نسبي في المزاج الاقتصادي العالمي، بعد إشارات إيجابية حول اتفاق تجاري مرتقب بين الولايات المتحدة والصين، وتثبيت اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران، ما قلّل من حدة التوترات الجيوسياسية، التي كانت المحرك الرئيسي لارتفاع الذهب سابقًا.
ويرى لوكمان أوتونوجا، كبير المحللين في FXTM، أن الذهب قد يستمر في الانخفاض، مشيرًا إلى أن كسر مستوى 3300 دولار قد يمهد الطريق لمزيد من الخسائر نحو 3250، وربما 3200 دولار، خاصة في حال استمرار ضغوط البيع مع غياب محفزات جديدة.
الطلب المركزي والتحولات النقدية تحمي الذهب من الانهيار
ورغم هذه النظرة الحذرة، يشير كولومبو إلى أن الأساسيات بعيدة المدى لا تزال داعمة للذهب، مع توسع غير مسبوق في المعروض النقدي العالمي، حيث سجل المعروض النقدي (M2) في الولايات المتحدة زيادة قدرها 1.2 تريليون دولار منذ بداية العام، تزامنًا مع تجاوز الدين القومي الأمريكي مستوى 37 تريليون دولار.
وبحسب روبرت مينتر، مدير استراتيجية الصناديق المتداولة في abrdn، فإن الذهب قد يشهد فترة من التماسك السعري، لكن من المرجح أن تعود موجة الصعود بدعم من الطلب الاستثماري التقليدي، خاصة مع تزايد التوقعات بخفض الفائدة الأميركية في النصف الثاني من العام.
وفي شهادته الأخيرة أمام الكونغرس، أكد رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول أن البنك “ليس في عجلة من أمره” لتغيير سياسته النقدية، لكن بعض المحللين، مثل كيفن جرادي من Phoenix Futures، يرون أن البيانات الاقتصادية الحالية تبرر خفضًا وشيكًا للفائدة، خاصة مع تباطؤ التضخم واقترابه من المستهدف البالغ 2%.
ضعف الدولار وفرص الذهب
ويتزامن هذا مع تراجع مؤشر الدولار الأميركي إلى أدنى مستوياته في ثلاث سنوات، حيث أنهى الأسبوع عند 97 نقطة، ما يعزز من جاذبية الذهب كأصل مقوم بالدولار، ويرى نعيم أسلم، كبير مسؤولي الاستثمار في Zaye Capital، أن أي ضعف إضافي في الدولار سيشكل فرصة شراء للذهب، رغم عودة شهية المخاطرة التي قد تحد من مكاسب المعدن.
نظرة مستقبلية: ترقب بيانات التوظيف الأميركية
ومع دخول الأسواق أسبوعًا مختصرًا بسبب عطلة الاستقلال الأميركية في 4 يوليو، يتجه التركيز نحو بيانات التوظيف المرتقبة، وعلى رأسها تقرير الوظائف غير الزراعية يوم الخميس، إلى جانب مؤشرات الصناعات التحويلية والخدمية، والتي قد تعيد تشكيل توقعات السياسة النقدية بشكل كبير.
في المحصلة، يبدو أن الذهب يمر بمرحلة انتقالية حساسة، تتأرجح بين جاذبيته كملاذ آمن وتراجع الحوافز الداعمة له، غير أن المدى البعيد لا يزال يحمل دعائم قوية، وسط تضخم الديون، وتوسع الكتلة النقدية، وضعف الدولار، وهي عوامل قد تعيد المعدن الأصفر إلى واجهة الاهتمام مجددًا في النصف الثاني من 2025.