بدأت حملة هادئة أطلقتها ألمانيا قبل أكثر من عقد لاستعادة الذهب المخزّن في الخارج، لكنها تطورت اليوم إلى نقاش عالمي أوسع حول “من يملك السيادة الفعلية على الثروات الوطنية؟
المهندس الرئيسي لهذه الحملة، بيتر بويرينجر، مسؤول الموازنة في حزب البديل من أجل ألمانيا، قال في مقابلة مصورة، مع موقع كيتكو نيوز الأمريكي، إن هذه الفكرة التي وُلدت في البرلمان الألماني، أصبحت اليوم موضع اهتمام واسع داخل البنوك المركزية حول العالم.
قال بويرينجر، بدأت هذه الحملة في عام 2007، لسنوات، كنت الوحيد الذي يطرح هذه الأسئلة داخل البرلمان، استغرق الأمر ست سنوات للحصول على رد، وبدأنا التنفيذ في عام 2013، أعدنا 674 طنًا من الذهب – كان ذلك نجاحًا، لكنني كنت أريد استعادة كل الكمية”.
بين عامي 2013 و2017، أعادت ألمانيا 300 طن من الذهب من بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك و374 طنًا من بنك فرنسا المركزي إلى فرانكفورت، وُصفت العملية بأنها واحدة من أكبر عمليات النقل الفعلي للذهب من قِبل دولة ذات سيادة منذ نهاية نظام بريتون وودز عام 1971.
أضاف، بويرينجر “لم نستعد حتى السبائك الأصلية… تم صهرها واستبدالها، وكان علينا القبول بذلك، أما فورت نوكس؟ فلم يُجرى عليه أي تدقيق منذ عقود، هذا غير مقبول”.
تدّعي الولايات المتحدة أنها تمتلك أكثر من 4500 طن من الذهب في فورت نوكس، لكن لم يُجرَ عليه أي تدقيق مستقل كامل منذ عام 1953. وكان آخر تفتيش جزئي في عام 2017، وفقًا لوزارة الخزانة الأمريكية، مما يثير قلقًا متجددًا لدى المشرعين في ألمانيا والنمسا.
قال،كنا نثق بالنظام المالي القائم على الدولار بعد الحرب العالمية الثانية لأنه لم يكن لدينا خيار، لكن الآن المسألة لم تعد ثقة فقط، بل سيطرة، إذا كانت احتياطياتك في الخارج، فأنت لا تملكها حقًا.
البنوك المركزية تعيد النظر
تؤكد البيانات الجديدة هذا التحول، فوفقًا لمسح أجراه منتدى المؤسسات النقدية والمالية الرسمية (OMFIF) لعام 2025، يرى 70% من البنوك المركزية أن عدم الاستقرار السياسي في الولايات المتحدة يدفعهم إلى تقليص احتياطيات الدولار، ارتفاعًا من 37% في العام الماضي، كما أشار ثلث مديري الاحتياطيات إلى أنهم يخططون لزيادة حيازاتهم من الذهب خلال العامين القادمين، فيما ينوي 40% فعل ذلك خلال العقد المقبل.
قال، بويرينجر، البنوك المركزية فشلت ليس فقط اقتصاديًا، بل أخلاقيًا، نحن نطبع المال من الهواء، لا يوجد أساس صلب، النظام الورقي بأكمله غير مستدام، نحتاج إلى شيء مادي مرة أخرى.”
تُتداول أوقية الذهب حاليًا حول مستوى 3274 دولارًا، بارتفاع نسبته 25% منذ بداية العام، وفقًا لبيانات بلومبرج، ويعزو بويرينجر هذا الأداء إلى الطلب المتزايد من البنوك المركزية، وانخفاض قيمة العملات الورقية، وارتفاع ما يُعرف بـ “مخاطر الحفظ خارج البلاد”.
قال”كنا دولة تتسم بالحكمة المالية، أما الآن، فنحن نُهدر العملة مثل الجميع، لدينا ‘كبح للديون’ في الدستور، لكنه يتم تجاهله، لا توجد إرادة سياسية حقيقية.”
الديون الألمانية ترتفع والذهب ما زال غير كافٍ
قانون “كبح الديون” الألماني (Schuldenbremse) يحدّ من العجز المالي السنوي إلى 0.35% من الناتج المحلي، لكن تم تعليقه عدة مرات منذ 2020، ويتوقع صندوق النقد الدولي أن تصل نسبة الدين إلى الناتج المحلي في ألمانيا إلى 66% بحلول عام 2026، وهي الأعلى منذ أكثر من عقد.
وعندما سُئل بويرينجر عما إذا كان على ألمانيا زيادة حيازاتها من الذهب، أجاب:”نعم، وبشدة، نحتاج إلى المزيد من الذهب. ونحتاجه هنا، في ألمانيا، وليس في الخارج.”
تحتفظ ألمانيا حاليًا بـ 3,352 طنًا من الذهب، ما يجعلها ثاني أكبر مالك رسمي في العالم بعد الولايات المتحدة، ووفقًا للبنك المركزي الألماني، فإن 50.5% من هذا الذهب مُخزن حاليًا في فرانكفورت، والباقي موزع بين نيويورك ولندن.
هل البيتكوين بديل سيادي؟
وعلى الرغم من أن البيتكوين يُطرح أحيانًا كأصل بديل لاحتياطيات الدول، فإن بويرينجر، المعروف بانتمائه للفكر الليبرتاري، كان حذرًا: البيتكوين مثير للاهتمام، أحب الفكرة من حيث المبدأ، لكنه ليس أصلًا احتياطيًا سياديًا، البنوك المركزية لن تثق بشيء لا تستطيع السيطرة عليه.”
كما رفض اليورو كبديل مستقبلي للدولار: اليورو مجرد عملة ورقية أخرى، لا يختلف عن الدولار، لا توجد ضمانات حقيقية، ولا يوجد توحيد مالي بين دول منطقة اليورو، لهذا السبب، المشروع بأكمله سيفشل في النهاية.
وعندما طُرح عليه ما إذا كان من الممكن إنشاء مستودع ذهبي جديد داخل أوروبا، لم يستبعد الفكرة، لكنه أشار إلى حساسيتها السياسية: لا يمكننا الحديث عن ذلك رسميًا، لا توجد خطط مُعلنة. لكن السؤال مهم.”
ماذا لو تراجعت هيمنة الدولار؟
بحسب صندوق النقد الدولي، من المتوقع أن تنخفض حصة الدولار من الاحتياطيات العالمية من 58% إلى 50% بحلول عام 2035. ويرى بويرينجر أن هذا سيؤدي إلى “تفكك” النظام العالمي:
“إذا انخفضت حصة الدولار من 58% إلى 50%، فهذا يعني تفككًا في النظام المالي العالمي، وفي عالم كهذا، سيكون الذهب هو القاسم المشترك الوحيد.”
واختتم بويرينجر بتحذير مباشر للناخبين والمستثمرين: “إذا كانت البنوك المركزية تشتري الذهب وتُعيده إلى أوطانها، فعليك أن تسأل لماذا، لا تنتظر حتى يتوقفوا عن طباعة النقود… حينها سيكون الأوان قد فات.