مع اقتراب النصف الأول من عام 2025 من نهايته، يواجه الذهب ضغوطًا بيعية نتيجة تراجع التوترات الجيوسياسية في الشرق الأوسط، والتي أعادت شهية المخاطرة للأسواق، وفي الوقت نفسه، واصلت الفضة تعويض الفجوة السعرية مع الذهب، بعد أن اختبرت مستوى 36 دولارًا للأوقية، وهو ما اعتبره المحللون تأكيدًا على مسار صعود مستمر.
ورغم تراجع “علاوة الحرب” في سعر الذهب، فإن التدهور المتواصل في قيمة الدولار الأمريكي، والذي هبط مؤشره دون مستوى الدعم الفني 98، أبقى على عقود الذهب والفضة الآجلة ضمن نطاقات صعودية، مستندة إلى مستويات دعم رئيسية عند 3200 دولار و35 دولارًا للأونصة، على التوالي.
مصطلح “علاوة الحرب”( War Premium) يُستخدم في الأسواق المالية لوصف الزيادة المؤقتة في أسعار الأصول، خاصة الذهب والنفط، نتيجة تصاعد التوترات الجيوسياسية أو اندلاع الحروب.
أزمة الديون الأمريكية تطارد الأسواق
في واشنطن، يكافح الجمهوريون لإقرار مشروع قانون خفض الضرائب والإنفاق الحكومي قبل الموعد الذي حدده الرئيس دونالد ترامب في الرابع من يوليو، وتشير التقديرات إلى أن هذا المشروع سيضيف نحو 2.4 تريليون دولار إلى الدين العام الأمريكي خلال العقد المقبل، وسط تحذيرات من تفاقم العجز وتدهور آفاق الاستدامة المالية على المدى الطويل.
ووفقًا لأحدث البيانات، بلغ إجمالي الإنفاق الفيدرالي الأمريكي في مايو وحده 687 مليار دولار، في حين لم تتجاوز الإيرادات 371 مليارًا، مما خلف عجزًا شهريًا ضخمًا بقيمة 316 مليار دولار، كما سجلت مدفوعات الفائدة على الدين 92 مليار دولار، متجاوزة معظم بنود الإنفاق باستثناء الرعاية الصحية والضمان الاجتماعي.
ترامب يهاجم باول… ومؤشرات على تآكل استقلالية الفيدرالي
زاد القلق في الأسواق بعد تصريحات الرئيس ترامب التي وصف فيها رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول بـ”السيئ”، ملمحًا إلى استبداله قريبًا قبل انتهاء ولايته رسميًا في مايو 2026، ومع تزايد الضغوط السياسية على البنك المركزي، تراجع الدولار الأمريكي بأكثر من 10% منذ بداية العام، وهو أكبر انخفاض نصف سنوي منذ سبعينيات القرن الماضي.
عودة شبح الركود التضخمي… وخطر “هرمز” يلوح في الأفق
ورغم الإعلان عن وقف إطلاق نار بين إسرائيل وإيران في مطلع الأسبوع، إلا أن الاشتباكات لا تزال مستمرة، بينما أعلنت إيران نيتها إغلاق مضيق هرمز – الشريان الحيوي لنقل 25% من صادرات النفط و20% من الغاز الطبيعي المسال عالميًا.
ويحذر الخبراء من أن أي إغلاق فعلي للمضيق قد يدفع بأسعار النفط إلى مستويات صادمة، ما قد يؤدي إلى ركود عالمي وهبوط عنيف في أسواق الأسهم يفوق 20%، على غرار ما حدث خلال أزمة النفط عام 1973.
الفيدرالي محاصر بين التضخم والركود
وعلى الرغم من إبقاء الاحتياطي الفيدرالي على توقعاته السابقة بتنفيذ خفضين في الفائدة هذا العام، فإن توقعات التضخم تم تعديلها صعودًا إلى 3.1% بنهاية 2025، مقارنة بـ2.5% في أبريل، مبتعدة أكثر عن هدف البنك المركزي البالغ 2%.
وأكد رئيس الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك، جون ويليامز، أن التباطؤ الاقتصادي وارتفاع الأسعار مرشحان للتفاقم بفعل الرسوم الجمركية وتقليص الهجرة، كما أظهرت البيانات المحدثة للناتج المحلي الإجمالي انكماش الاقتصاد الأمريكي بوتيرة أسرع من المتوقع في الربع الأول.
الذهب والفضة: ملاذات تتصدر المشهد
في ظل فقدان الثقة العالمية في استدامة السياسات المالية للحكومات، بات الذهب يُنظر إليه مجددًا كأصل آمن لا يخضع لمخاطر الطرف المقابل، بخلاف السندات السيادية التي لم تعد تمثل ملاذًا تقليديًا.
وتشهد أسهم شركات تعدين الذهب والفضة عمليات تصحيح صحية بعد مكاسب قوية خلال الربع الثاني، فيما تظهر أسهم الشركات الصغيرة عالية المخاطر (Juniors) أداءً قويًا مدعومًا باختراق فني على مؤشر TSX-V الكندي، والذي يضم نحو 50% من شركات التعدين الناشئة.
ورغم أن المؤشر لا يزال بعيدًا بنسبة 75% عن ذروته التاريخية عام 2007، إلا أنه سجل ارتفاعًا ملحوظًا هذا العام، ويترقب المستثمرون احتمال عودة نحو مستوى 1113 نقطة، وهو ما يعادل ارتفاعًا بنسبة 75% من المستويات الحالية.
في ظل التذبذب الكبير في الأسواق العالمية وارتفاع مستويات عدم اليقين السياسي والاقتصادي، تستمر مؤشرات القوة النسبية في الظهور لصالح الذهب والفضة والأسهم المرتبطة بهما، لا سيما الشركات الصغيرة ذات الجودة العالية، ويواصل المستثمرون التحوّط ضد مخاطر التضخم وديون الحكومات المتفاقمة عبر أصول لا ترتبط بالنظام النقدي التقليدي، وعلى رأسها الذهب.