التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين ترفع الذهب إلى مستويات قياسية
ارتفعت أسعار الذهب العالمي إلى مستوى قياسي ليخترق حاجز 3300 دولار للأوقية، مدفوعًا بمخاوف الركود وتصاعد التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، حيث لجأ المستثمرون إلى الذهب كملاذ آمن.
على الرغم من إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تعليق الرسوم الجمركية لمدة 90 يومًا على عشرات الدول، إلا أن تصعيد الرسوم الجمركية على الواردات الصينية إلى حوالي 145%، ورد الصين المقابل برفع الرسوم الجمركية بزيادات مماثلة، في هذا السياق لجأ العديد من البنوك المركزية العالمية للتحوط بشراء الذهب، كما عززت توقعات خفض أسعار الفائدة من قِبَل مجلس الاحتياطي الفيدرالي، وعدم الاستقرار الجيوسياسي في منطقة الشرق الأوسط وأوروبا أسعار الذهب، بخلاف زيادة التدفقات إلى صناديق الاستثمار العالمية المتداولة في الذهب.
ارتفع سعر الذهب، الذي يُنظر إليه تقليديًا على أنه وسيلة تحوط ضد عدم اليقين السياسي والاقتصادي بأكثر من 21% هذا العام، ووفقًا لمجموعة جولدمان ساكس قد يصل سعر الذهب إلى 4000 دولار للأوقية العام المقبل، أي بزيادة حوالي 25% عن مستوياته الحالية، كما ارتفع سعر الفضة الفوري بنسبة 0.3% ليصل إلى 31.28 دولارًا للأوقية، وارتفع البلاتين بنسبة 0.1% ليصل إلى 938.35 دولارًا، بينما ارتفع البلاديوم بنسبة 0.8% ليصل إلى 915.75 دولارًا.[1]
في هذا السياق أمر الرئيس الأمريكي ترامب بإجراء تحقيق في رسوم جمركية محتملة على جميع واردات المعادن الأساسية الأمريكية، مما يمثل تصعيدًا آخر في نزاعه مع شركائه التجاريين العالميين ومحاولة للضغط على الصين.[2]
تداعيات ارتفاع أسعار الذهب العالمية:
– تأثير ارتفاع الذهب على أسواق الأسهم والسندات: غالبًا ما توصف العلاقة بين الذهب وأسواق الأسهم والسندات بأنها علاقة عكسية أو ضعيفة الارتباط على المدى الطويل، ولكنها قد تختلف في المدى القصير وخلال فترات الأزمات.
في حالات الاستقرار تزدهر أسواق الأسهم ومن ثم يقبل المستثمرون على المخاطرة بحثًا عن عوائد أعلى، ويقل الطلب على الذهب مما قد يؤدي إلى انخفاض أسعاره، وعلى العكس من ذلك في أوقات التوترات الجيوسياسية وعدم اليقين والتضخم المرتفع يميل المستثمرون إلى البحث عن أصول أكثر أمانًا مثل الذهب مما يزيد الطلب عليه ويرفع أسعاره، وفي هذه الفترات قد يرى المستثمرون أن الأسهم أكثر عرضة للمخاطر، ومن ثم يحولون جزءًا من استثماراتهم إلى الذهب للحفاظ على قيمة أصولهم.
– تأثير ارتفاع الذهب على التضخم: يعتبر الذهب تقليديًا وسيلة للتحوط ضد التضخم، عندما ترتفع معدلات التضخم، تنخفض القوة الشرائية للعملات الورقية، وقد يلجأ المستثمرون إلى الذهب للحفاظ على قيمة ثرواتهم الحقيقية، مما قد يؤدي إلى زيادة الطلب على الذهب وارتفاع أسعاره (خاصة إذا كان التضخم هو المحرك الرئيسي).
– التداعيات على الدول المستوردة للذهب: لارتفاع أسعار الذهب العالمية عواقب سلبية على الدول المستوردة الصافية للذهب، حيث تضطر الدول المستوردة إلى إنفاق المزيد من احتياطاتها من العملات الأجنبية لشراء الكمية نفسها من الذهب، وهو ما يؤدي إلى تدفقات أكبر للعملات الأجنبية للخارج، مما يضغط على ميزان مدفوعاتها، وربما يزيد من عجزها التجاري، كما يمكن أن يؤدي ارتفاع أسعار الذهب إلى توسيع عجز الحساب الجاري، مما يجعل الاقتصاد أكثر عرضة للصدمات الخارجية.
كما يؤثر ارتفاع أسعار الذهب على أسعار المشغولات الذهبية والحُلي وغيرها من المنتجات المعتمدة على الذهب في الأسواق المحلية، وهو ما يساهم في ارتفاع التضخم العام ومن ثم انخفاض القدرة الشرائية للمستهلكين، كما تواجه الصناعات التي تستخدم الذهب كمادة خام (مثل الإلكترونيات وبعض المعدات الطبية) تكاليف مدخلات أعلى، وقد تُحمل هذه التكاليف للمستهلكين مما يزيد من التضخم.
هذا بخلاف تأثيره على العملة الوطنية والبنوك المركزية للدول المستوردة، حيث تدفع تلك الدول ثمن الذهب بالعملة الأجنبية (غالبًا الدولار الأمريكي)، ويترتب على هذا الطلب المتزايد للعملة الأجنبية انخفاض قيمة العملة الوطنية، كما يمكن أن يضغط ارتفاع أسعار الذهب على البنك المركزي لتطبيق سياسات نقدية أكثر صرامة، مثل رفع أسعار الفائدة، مما قد يؤدي إلى إبطاء النمو الاقتصادي.
– تأثير ارتفاع أسعار الذهب على الأفراد والمستثمرين: لارتفاع أسعار الذهب تأثيرٌ متعدد الجوانب على الأفراد والمستثمرين، إذ يؤثر عليهم بطرق مختلفة تبعًا لظروفهم واستراتيجياتهم الاستثمارية:
الآثار الإيجابية: زيادة قيمة المحفظة الاستثمارية للمستثمرين، وزيادة ممتلكات الأفراد من الذهب، حيث يشهد الأفراد الذين يمتلكون مجوهراتٍ أو عملاتٍ أو سبائك ذهبية ارتفاعًا في قيمة أصولهم، بالإضافة إلى التحوط من تقلبات السوق للمستثمرين، ومن التضخم والحفاظ على القدرة الشرائية للأفراد المالكين للذهب.
الآثار السلبية: ارتفاع أسعار المنتجات الذهبية بالنسبة للأفراد الذين يتطلعون إلى شراء منتجات ذهبية يؤدي إلى انخفاض القدرة الادخارية للأفراد، فارتفاع أسعار الذهب يعني شراء كميات أقل بنفس المبلغ من النقود وهو ما يؤثر على الأهداف الادخارية للأفراد على المدى الطويل.
ومن جهة أخرى قد يُسبب امتلاك الذهب للمستثمرين ضياع فرصة بديلة، خاصةً في فترات النمو الاقتصادي القوي وارتفاع عوائد فئات الأصول الأخرى، حيث لا يُدر الذهب دخلاً كأرباح الأسهم أو الفوائد، هذا بخلاف تقلب أسعار الذهب على المدى القصير، متأثرةً بتقلبات السوق والتوترات مما قد يسبب قلق للمستثمرين.
إجمالاً يمكن القول إن ارتفاع أسعار الذهب يفيد عمومًا من يمتلكونه بالفعل، بينما يزيد من سعره للمشترين الجدد، بالنسبة للمستثمرين يمكن أن يعزز ارتفاع أسعار الذهب قيمة المحفظة الاستثمارية ويوفر تنويعًا وتحوطًا ضد مختلف المخاطر، ولكنه يأتي أيضًا مع تكاليف الفرص البديلة والتقلبات المحتملة.
المصدر الأساسي للمقال: مجلة المجتمع