في عصر التكنولوجيا والسرعة، قد يبدو التفكير في استخدام المزولة الشمسية لقياس الوقت أمرًا ينتمي إلى الماضي، لكن مصمم مجوهرات شاب قلب هذا المفهوم رأسًا على عقب، عبر ابتكار خاتم فريد من نوعه يجمع بين جمال القنفذ ووظيفة المزولة الشمسية، ليمنح مرتديه تجربة تجمع بين الفن، والطبيعة، والتاريخ.
في صباح أحد أيام شتاء سنة 1580، وقف الحرفي الألماني كريستوف شيرر في ورشته الصغيرة بأوجسبورج، بين أدواته المعدنية وأحجاره اللامعة، لم يكن يصنع مجرد خاتم، بل كان يشيد جسرًا بين الفن والعلم.
ابتكر الحرفي والفنان كريستوف شيرر قطعة مجوهرات لا تشبه أي شيء آخر: خاتم فريد يجمع بين شكل القنفذ ووظيفة المزولة الشمسية.
هذا الخاتم المصنوع يدويًا من البرونز أو الفضة المؤكسدة، لا يكتفي بجماله النحتي الرقيق الذي يصوّر قنفذًا بتفاصيل مذهلة، بل يعمل فعليًا كمزولة شمسية، حيث تلعب أشواك القنفذ أو أنفه دور “العقرب” ، أي الجزء الذي يلقي بظله على سطح صغير محفور عليه أرقام تمثل ساعات النهار.
يقول شيرر عن فكرته:
“أردت أن أبتكر شيئًا يُلهم التأمل، ويجمع بين الطبيعة والوقت، القنفذ كائن يرمز للانطواء، والمزولة أداة قديمة تنبض بالحكمة – فكان المزج بينهما طبيعيًا، واستخدام القنفذ لقياس الوقت منحته بُعدًا جديدًا.”
في تلك الفترة، كان الزمن نفسه لغزًا، الساعات المحمولة كانت نادرة وغير دقيقة، أما النبلاء والعلماء الذين يجوبون أوروبا، فكانوا بحاجة إلى وسيلة تحدد لهم الوقت أينما ارتحلوا، ومن هنا، ولدت الفكرة، خاتم يجمع بين المجوهرات والهندسة والفلك.
عمل كريستوف بعناية على تشكيل خاتم ساعة شمسية مذهّب، مرصع بأحجار كريمة متعددة الأوجه،مصنوع من الذهب والمينا والماس والزجاج، وهو قطعة فنية قابلة للارتداء وأداة علمية مصغرة، صمم غطاءً مزخرفاً يمكن فتحه ليكشف عن قرص صغير يحمل أرقام الساعات، في المنتصف، وضع خيطًا دقيقًا — gnomon — يسقط ظله على القرص عندما تسطع الشمس، محدداً الوقت بدقة مدهشة.
من التراث إلى الإصبع
مستوحى من تقاليد القرون الوسطى في أوروبا، حيث كانت المزولات تُستخدم في الحياة اليومية، صمم شيرر هذا الخاتم ليكون تحفة متنقلة، تعيد إلى مرتديها حسّ الارتباط بالشمس ودورة النهار، ورغم أن الخاتم لا يُستخدم لقياس الوقت بدقة، إلا أنه يقدم رمزية شاعرية عميقة عن الزمن البشري وتغيّراته.
حاز هذا التصميم اهتمامًا عالميًا بين هواة المجوهرات الفريدة، خاصة أولئك المهتمين بالحرف اليدوية والتفاصيل الدقيقة، وتُعد كل قطعة من الخواتم إصدارًا فريدًا، حيث يُنجزها شيرر بنفسه باستخدام تقنيات الصب والنقش التقليدية.
فن زمني بنكهة ألمانية
بفضل لمسته الفنية وبحثه الدائم عن الحوار بين الشكل والوظيفة، أثبت كريستوف شيرر أن المجوهرات يمكن أن تكون أكثر من مجرد زينة؛ يمكنها أن تحكي قصة، وأن تقيس الزمن، ولو بشيء من الظل.
انتشرت هذه الابتكارات في ورش أمهر صناع الساعات مثل ورشة نيكولاس فالان في لندن، وأصبحت رمزًا يزين أصابع النبلاء والعلماء في القصور وقاعات الدروس.
يُعرض الخاتم الآن في متحف تاريخ الفنون في فيينا.