قال محمود جمال سعيد، الباحث الاقتصادي والمتخصص في أسواق المال، إن النصف الثاني من عام 2025 يبدأ وسط حالة ترقب تسود الأسواق العالمية، في ظل تداخل العوامل الاقتصادية والسياسية التي ستحدد مسار الذهب والدولار حتى نهاية العام الجاري وامتداداً إلى عام 2026.
وأوضح سعيد أن التحركات الراهنة للأسواق تتأثر بشدة بالأحداث العالمية الكبرى، سواء كانت سياسية أو اقتصادية، مشيرًا إلى أن الذهب يشهد تقلبات ملحوظة مدفوعة بمخاوف تضخمية وتغيرات في سياسات البنوك المركزية، ورغم بعض مظاهر الاستقرار في نهاية يونيو، إلا أن التوقعات تشير إلى تذبذبات قادمة.
وأكد سعيد أن أبرز المؤثرات على أسعار الذهب تتمثل في توجهات أسعار الفائدة العالمية، وقوة الدولار الأمريكي، والمخاطر الجيوسياسية، موضحًا: “كلما تصاعدت حالة عدم اليقين الاقتصادي أو السياسي، كلما ازدادت جاذبية الذهب كملاذ آمن.”
وفيما يخص النظرة المؤسساتية، أشار سعيد إلى أن صندوق النقد الدولي يرى في الذهب أصلًا احتياطيًا مهمًا وسط التغيرات الاقتصادية العالمية، بينما يعتبر البنك الدولي أن سياسات التيسير أو التشديد النقدي من قبل البنوك المركزية الكبرى سيكون لها أثر بالغ على حركة الذهب، خاصة في ظل تباطؤ وتيرة رفع الفائدة.
الفائدة تحدد اتجاه الدولار
أما عن الدولار الأمريكي، فقد أشار سعيد إلى أنه شهد أداءً قويًا في الفترة الماضية بدعم من سياسة التشديد النقدي للاحتياطي الفيدرالي، إلا أن نهاية يونيو حملت بوادر ضغوط هبوطية، وقال: “الاتجاه المستقبلي للدولار سيعتمد على مسار أسعار الفائدة، وأداء الاقتصادات العالمية الكبرى، إضافة إلى التوترات التجارية والسياسية.”
وأضاف أن استمرار الفيدرالي في نهجه المتشدد قد يعزز من قوة الدولار، لكن أي تقارب في الفروق بين أسعار الفائدة الأمريكية ونظيراتها العالمية قد يؤدي إلى تراجع العملة الأمريكية، مما يعزز من جاذبية الذهب والأصول البديلة.
كما أشار إلى أن صندوق النقد الدولي يرى استمرار الدولار كعملة احتياطية مهيمنة، رغم احتمالية تأثره بتغير السياسات النقدية العالمية، بينما يتوقع البنك الدولي أن يواجه الدولار تقلبات مع تطورات الأسواق، ما يستدعي مراقبة حثيثة للمشهد الاقتصادي.
تراجع الذهب.. تحولات في سلوك المستثمرين
وبشأن تراجع أسعار الذهب مؤخرًا، أوضح سعيد أن انخفاضه يعود إلى تهدئة التوترات السياسية وتحسن الأجواء التجارية بين الدول الكبرى، رغم وجود عوامل تدعمه مثل ضعف الدولار وتوقعات خفض الفائدة.
وأضاف: “المستثمرون أصبحوا أكثر ميلًا نحو الأصول ذات العوائد المرتفعة، مما وضع الذهب تحت ضغوط بيعية، خاصة مع تحسن العلاقات التجارية والتصريحات الإيجابية بشأن الاتفاقيات المقبلة.”
وأشار إلى أن انخفاض “علاوة المخاطرة” المرتبطة بالشرق الأوسط ساهم في التراجع، مشيرًا إلى أن الذهب لم يستفد من ضعف الدولار، مما يعكس تغيرًا في أولويات المستثمرين نحو أسواق الأسهم والشركات ذات النمو المتوقع.
الصناديق تضغط على الذهب
على الصعيد الفني، حذّر سعيد من أن الذهب يقترب من مستوى سعري حرج قد يحدد وجهته المستقبلية، مرجعًا ذلك إلى تحركات صناديق استثمارية ضخمة تعتمد على أنظمة خوارزمية لرصد الاتجاهات السعرية.
وأوضح أن هذه الصناديق غالبًا ما تتجه للبيع التلقائي في حال تراجع الذهب إلى مستويات معينة، مما قد يؤدي إلى سلسلة من عمليات البيع المتتالية التي تضغط على الأسعار بشكل حاد، مؤكدًا أن هذه المعركة “فنية بحتة” ولا ترتبط بالتضخم أو الفائدة.
تحديات مواجهة التضخم
وفي سياق متصل، أشار سعيد إلى أن بيانات التضخم الأخيرة في الولايات المتحدة أظهرت ارتفاعًا في تكاليف المعيشة، ما يزيد من تعقيد مهمة الاحتياطي الفيدرالي في إدارة السياسة النقدية.
وتوقع أن يشهد عام 2025 خفضًا للفائدة مرتين على الأقل، مشيرًا إلى أن الحكومة الأمريكية تواجه تحديات في تمرير خطط خفض الضرائب وتقليص الإنفاق، ما يزيد من الدين العام ويهدد الاستقرار المالي.
كما لفت إلى أن بعض التصريحات السياسية التي تشكك في استقلالية البنك المركزي ساهمت في الضغط على الدولار، مؤكدًا أن حالة عدم اليقين في المشهد السياسي الأمريكي تضيف مزيدًا من التحديات.
التكامل بين الذهب والدولار: لعبة توازن مستمرة
في الختام، أكد سعيد أن العلاقة بين الذهب والدولار ستظل محكومة بقرارات البنوك المركزية وتطورات الاقتصاد العالمي، لافتًا إلى أن الذهب قد يستفيد من ضعف الدولار أو تصاعد المخاطر، بينما يحافظ الدولار على قوته إذا ظلت الفجوة في أسعار الفائدة لصالح الولايات المتحدة.
وشدد على أهمية المتابعة الدقيقة للبيانات الاقتصادية وسياسات البنوك المركزية لفهم الاتجاهات المحتملة خلال عامي 2025 و2026، حيث “قد يستعيد الذهب بريقه كملاذ آمن إذا تفاقمت الأزمات، أو خرج التضخم عن السيطرة.”