سجّل الذهب إنجازًا تاريخيًا جديدًا، بعد أن تجاوز مستوى 4,000 دولار للأوقية للمرة الأولى في تاريخه، في 8 أكتوبر 2025، ليُسجّل بذلك الارتفاع السادس والأربعين منذ بداية العام، ويقترب من تحقيق أفضل أداء سنوي منذ عام 1979، بحسب تقرير حديث لمجلس الذهب العالمي.
ويشير التقرير إلى أن الرحلة من 3,500 إلى 4,000 دولار استغرقت 36 يومًا فقط، وهي أسرع قفزة ضمن موجات الصعود التاريخية للذهب، مدفوعة بتزايد الطلب الاستثماري وارتفاع مشتريات البنوك المركزية، إلى جانب تراجع الدولار وتوقعات خفض الفائدة الأمريكية.
محركات الصعود: استثمار آمن في عالم متقلب
أوضح التقرير أن موجة الصعود الأخيرة يقودها المستثمرون في الأسواق الغربية الذين يندفعون نحو الأصول الآمنة وسط التوترات الجيوسياسية وضعف العملة الأمريكية، وتزايد المخاوف من تصحيح حاد في أسواق الأسهم والسندات.
كما ساهمت مشتريات البنوك المركزية في تعزيز الطلب، ليس فقط من حيث الكميات الفعلية، ولكن أيضًا في تعزيز الثقة بالذهب كأصل استراتيجي طويل الأجل.
وأشار التقرير إلى أن الذهب أضاف 21 مليار دولار من التدفقات الاستثمارية منذ نهاية أغسطس الماضي، ليرتفع إجمالي تدفقات صناديق الاستثمار المدعومة بالذهب المادي إلى 67 مليار دولار منذ بداية العام.
مؤشرات السوق: صناديق الذهب تقترب من ذروتها التاريخية
ارتفعت حيازات صناديق الاستثمار العالمية إلى 3,857 طنًا من الذهب، أي أقل بنسبة 2% فقط من ذروة نوفمبر 2020 البالغة 3,929 طنًا.
ورغم تلك الأرقام القوية، يؤكد مجلس الذهب أن السوق ما زال في بداية دورة تراكم جديدة، إذ لم تتجاوز مدة الصعود الحالي 74 أسبوعًا، مقارنة بموجات سابقة استمرت أكثر من 250 أسبوعًا، بمعنى آخر، ما نشهده اليوم ليس نهاية الصعود، بل بدايته.
هل لا يزال أمام الذهب مجال للصعود؟
يرى التقرير أن العوامل الأساسية لا تزال داعمة لمسار الذهب الصاعد، حيث يتوقع استمرار ضعف الدولار الأمريكي، وتراجع أسعار الفائدة الحقيقية، وزيادة التقلبات في الأسواق المالية العالمية.
لكن في المقابل، يحذر مجلس الذهب من أن الارتفاع السريع للأسعار قد يؤدي إلى عمليات جني أرباح مؤقتة، ومؤشرات فنية تشير إلى تشبع شرائي (RSI فوق 90)، وإعادة توازن المحافظ الاستثمارية، وتباطؤ في الطلب الاستهلاكي خلال موسم الشراء التقليدي، وومع ذلك، تبقى هذه العوامل قصيرة الأمد، ولن تغير الاتجاه العام الداعم للذهب على المدى الطويل.
العوامل الإستراتيجية طويلة الأجل
توسع قاعدة المستثمرين عبر أدوات مالية جديدة مثل صناديق منخفضة التكلفة والعقود الصغيرة في الصين والهند، واستمرار الضعف البنيوي في الدولار الأمريكي، وضبابية السياسة الأمريكية والمخاطر الجيوسياسية المتزايدة، واحتمالات ركود اقتصادي مع تباطؤ النمو وارتفاع الدين العام.
ويؤكد التقرير أن المقارنة مع طفرة عام 1979 «مغرية لكنها غير دقيقة»، لأن المشهد الحالي يعكس تحولًا هيكليًا في النظام المالي العالمي، وليس مجرد دورة مضاربة قصيرة.
4000 دولار ليست النهاية بل البداية
يختتم مجلس الذهب العالمي تقريره بالتأكيد على أن الذهب ما زال يمتلك الزخم لمواصلة الصعود، وأن ما حدث في أكتوبر 2025 ليس ذروة السوق بل مرحلة جديدة من إعادة تسعير المعدن وفق واقع اقتصادي وجيوسياسي متغير.
ففي عالمٍ تتراجع فيه الثقة بالعملات الورقية وتتسع فيه المخاطر الجيوسياسية، يبدو أن الذهب يكتب فصلاً جديدًا من تاريخه كملاذٍ آمن، يوازن بين العاصفة والتاريخ.