بعد موجة تاريخية دفعت أسعار الذهب والفضة إلى تسجيل قمم قياسية متعددة خلال الأيام الأخيرة من عام 2025، بات السؤال الحتمي الذي يطرحه المستثمرون: إلى متى يمكن أن يستمر هذا الزخم؟ وهل نحن أمام موجة مؤقتة، أم أن تحولًا أعمق وأكثر جوهرية يجري في سوق المعادن النفيسة؟
بحسب روبرت جوتليب، أحد المخضرمين في قطاع المعادن النفيسة، فإن الإجابة لا تكمن في الأهداف السعرية قصيرة الأجل أو المضاربات اللحظية، بل في تحول هيكلي يعيد تعريف دور الذهب والفضة داخل المحافظ الاستثمارية العالمية.
وقال جوتليب، في مقابلة مع كيتكو نيوز «هذا ليس عام 1980، وليس موجة مدفوعة بمنتديات الإنترنت، ولا محاولة للسيطرة على السوق، ما نشهده هو وعي متزايد بأن الأصول الصلبة أصبحت ضرورة».
ويُعد جوتليب مديرًا تنفيذيًا سابقًا لمكاتب تداول المعادن النفيسة في كل من بنوك JPMorgan وHSBC، وأوضح أن الذهب والفضة مرا بمحطات فاصلة أعادت تشكيل السوق بالكامل.
الذهب… لحظة التحول في 2022
أشار جوتليب إلى أن اللحظة المفصلية للذهب جاءت في عام 2022، عقب استخدام الولايات المتحدة وحلفائها الدولار كسلاح اقتصادي ضد روسيا بعد غزوها أوكرانيا. ونتيجة لذلك، اندفعت البنوك المركزية في الأسواق الناشئة بقوة نحو الذهب، في محاولة لتقليص الاعتماد على الدولار الأمريكي.
وشدد جوتليب على أن السعر لم يكن العامل الحاسم في قرارات الشراء.
وقال: «عندما تقرر البنوك المركزية شراء الذهب، فإن القرار لا يُبنى على السعر، بل على السياسات – ما يحدث داخليًا وخارجيًا في الدولة».
وأضاف أن هذا التحول في السياسات يبدو مستدامًا، خاصة أن احتياطيات الذهب لدى العديد من البنوك المركزية لا تزال منخفضة نسبيًا، ما يمنح السوق دعامة طويلة الأجل.
وأوضح أن طلب البنوك المركزية يمثل ركيزة أساسية للمستثمرين، إذ يخلق طلبًا دائمًا يدعم الأسعار حتى مع تراجع التدفقات المضاربية صعودًا وهبوطًا.
الفضة… لحظة الإدراك في 2025
في المقابل، يرى جوتليب أن اللحظة الفارقة للفضة لم تظهر إلا هذا العام، بل وتحديدًا منذ الصيف الماضي، حيث بدأ المستثمرون يدركون محدودية المعروض المتاح فعليًا من الفضة في السوق العالمية.
وأوضح أن الطلب الصناعي القوي على مدار السنوات الخمس الماضية استنزف المخزونات السطحية من الفضة إلى مستويات حرجة، ومع تنامي الطلب الاستثماري، باتت سلاسل الإمداد تحت ضغط غير مسبوق، في ظل عدم توافر كميات كافية من الفضة في المواقع والأشكال المناسبة لتلبية الطلب.
وأشار إلى أن أزمة السيولة في سوق الفضة لا تملك حلًا سريعًا، لافتًا إلى أن معدلات الإيجار لمدة 12 شهرًا لا تزال مرتفعة للغاية.
وقال: «هذه ليست أزمة مؤقتة، نحن نشهد حالة تراجع هيكلي طويل الأجل، ما يؤكد استمرار الشح البنيوي في السوق».
ومثلما وفرت البنوك المركزية دعامة طويلة الأجل للذهب، يتوقع جوتليب أن يؤدي الطلب الصناعي الدور نفسه بالنسبة للفضة.
توقعات 2026: نمو أهدأ… لكن أكثر صحة
ورغم نظرته الإيجابية تجاه الذهب والفضة، حذر جوتليب المستثمرين من المبالغة في التوقعات، وقال إن عام 2026 سيكون مختلفًا تمامًا عن 2025.
وأضاف: «لن نرى عامًا آخر بارتفاعات 60% أو 70%، لكن هذا لا يعني أن السوق الصاعد قد انتهى».
ويتوقع جوتليب تحقيق مكاسب معتدلة خلال 2026، مدعومة بعوامل هيكلية وليس بحالة هوس.
وأوضح أن ارتفاع الذهب بنسبة 10% إلى 15% من مستوياته المرتفعة الحالية لا يزال يمثل عائدًا قويًا، خاصة للمحافظ المؤسسية التي تعيد توجيه استثماراتها نحو الأصول الصلبة.
أما الفضة، فيبقى – وفقًا له – المعدن الأكثر تقلبًا، لكنه أيضًا الأكثر قدرة على تحقيق عوائد أعلى.
وقال: «عمليات البيع ستكون أعنف، والتصحيحات ستكون أكثر إيلامًا، لكن القصة طويلة الأجل لا تزال قائمة».
وشدد على أن التقلبات في سوق الفضة ليست إشارة تحذير، بل جزء أصيل من طبيعة هذا الأصل، حيث يمكن أن تكون التراجعات الحادة – الناتجة أحيانًا عن التداول الخوارزمي أو المضاربات في العقود الآجلة – بمثابة إعادة ضبط، لا انعكاسًا للاتجاه، طالما ظل السوق الفعلي يعاني من نقص المعروض.
وأضاف: «التصحيحات صحية، الأهم هو ما إذا كان الدعم السعري يتشكل – وحتى الآن، هذا ما نراه».
إعادة تقييم هيكلية… لا فقاعة سعرية
واختتم جوتليب بالتأكيد على أن الذهب والفضة، رغم ما قد يواجهانه من تقلبات في 2026، يتمتعان بدعم قوي، إذ لم يعودا يُنظر إليهما كتحوطات هامشية أو رهانات معاكسة للسوق.
وأشار إلى أن عام 2025 شهد مراجعة واسعة لنموذج المحفظة التقليدية (60% أسهم – 40% سندات)، حيث بدأت مؤسسات ومحللون في تبني مفهوم التنويع الأوسع، مع تخصيص قد يصل إلى 20% من المحافظ للأصول الصلبة.
وقال: «هذا هو التحول الهيكلي الحقيقي الذي حدث في 2025. في 2026، لن يحتاج المستثمرون لاكتشاف الذهب والفضة من جديد – لأنهم أصبحوا مؤمنين بهما بالفعل».


















































































