شهدت السوق المصرية خلال السنوات الأخيرة تصاعدًا ملحوظًا في ظاهرة شراء وبيع الذهب المستعمل، سواء بين الأفراد مباشرة أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي، كبديل للمحلات التقليدية، مدفوعة بارتفاع الأسعار واتجاه بعض المستهلكين لمحاولة تقليل تكلفة المصنعية أو تعظيم المكاسب السريعة، غير أن هذه الظاهرة، رغم ما تحمله من إغراءات ظاهرية، تنطوي على مخاطر جسيمة قد تهدد مدخرات المواطنين.
وهم التوفير في “الذهب المستعمل”
في هذا السياق، أكد التاجر أيمن توفيق أن الإقبال المتزايد على الذهب المستعمل لم يعد قاصرًا على الإطار التقليدي الذي يجمع بين العميل وتاجر الذهب، بل امتد بقوة خلال الفترة الأخيرة إلى التداول المباشر بين الأفراد عبر الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي، وهو ما فتح – بحسب تعبيره – الباب أمام ممارسات شديدة الخطورة يصعب على المواطن العادي اكتشافها أو تقدير عواقبها.
وأوضح توفيق لـ عيار 24، أن الدافع الأساسي وراء هذا التوسع يعود إلى سعي كثير من البائعين والمشترين للهروب من خصومات المصنعية التي تفرضها المحال عند بيع المشغولات، والتي تتراوح عادة بين 1% و2% من قيمة الذهب، وقد تزيد في بعض الحالات. إذ يخضع الذهب المستعمل عند بيعه لتاجر محترف لخصومات تشمل الفصوص، السوست، بقايا الاستخدام، وأحيانًا جزءًا من سعر الذهب نفسه، ما يدفع بعض البائعين للبحث عن مشترٍ مباشر “من غير خصم”.
وأشار توفيق إلى أن هذا السلوك يقوم في جوهره على ما وصفه بـ«الطمع المشترك»، حيث يسعى البائع إلى بيع القطعة بسعر أعلى دون خصومات، بينما يطمح المشتري إلى اقتناء الذهب بسعر أقل من السوق. ورغم أن هذه المعادلة قد تبدو في ظاهرها صفقة رابحة للطرفين نظريًا، فإن الواقع – على حد قوله – يحمل مخاطر كارثية.
وأضاف أن هذا “المكسب الظاهري” يظل مشروطًا تمامًا بسلامة الإجراءات وحسن النية، وهو أمر نادر التحقق خارج الإطار الرسمي المنظم، ما يجعل المستهلك في كثير من الأحيان عرضة لخسائر مالية جسيمة قد تفوق بكثير أي وفر تحقق له عند الشراء.
المخاطر القانونية
وأشار أيمن توفيق إلى أن أخطر ما في شراء الذهب المستعمل من الأفراد هو غياب إثبات الملكية، متسائلًا: كيف يمكن للمشتري أن يتأكد أن القطعة المعروضة ليست مسروقة أو محل نزاع؟ فالمشتري قد يجد نفسه يمتلك قطعة مسروقة أو عليها تعديلات خفية، محذرًا من أن الوقوع في هذه الحالة قد يعرّض المشتري لمسؤولية قانونية جسيمة تفوق بكثير أي توفير تحقق في المصنعية،
ويرى توفيق أن البيع القانوني للمستعمل ممكن، لكن يجب أن يكون الذهب مدموغًا ومعايره واضحة ومطابقة للمعايير الرسمية.
وأكد أن التعامل بين أفراد مجهولين لا يتيح أي “مرجع” يمكن الرجوع إليه لاحقًا، فلا فواتير، ولا عنوان ثابت، ولا سجل تجاري، ما يجعل الخسارة نهائية في حال اكتشاف أي مشكلة.
الوزن الخادع… الذهب قد يخسر نصف جرام
حذر توفيق من سيناريو متكرر للنصب، حيث يتفق البائع والمشتري على اللقاء والذهاب لأقرب محل لوزن القطعة ومعرفة عيارها فقط، هنا، يكتفي الصائغ -الذي لن يشتري القطعة- بتحديد العيار والوزن الظاهري دون كشف دقيق أو تسخين، فيتم البيع في الخارج بناءً على هذه المعلومة المنقوصة.
وأوضح توفيق أنها واحدة من أخطر الإشكاليات الفنية التي يغفل عنها كثير من المتعاملين في سوق الذهب المستعمل، والمتعلقة بالفارق بين الوزن الظاهري والوزن الحقيقي للمشغولات.
وأضاف، أن بعض القطع، لا سيما السلاسل المجدولة والمفرغة، تحتوي على فراغات داخلية تتراكم بداخلها بمرور الوقت بقايا الصابون والعطور والأتربة ومخلفات الاستخدام اليومي، وهو ما يمنح القطعة وزنًا زائدًا على الميزان لا يعكس حقيقتها الفعلية.
وأشار إلى أن هذه الرواسب قد تضيف وزنًا وهميًا يصل في بعض الحالات إلى نحو نصف جرام، وهو فارق لا ينكشف إلا عند تعريض القطعة للنار داخل الورش المتخصصة.
وأضاف أن هذا الإجراء لا يتم غالبًا عند البيع المباشر بين الأفراد، ما يعني أن المشتري يدفع فعليًا ثمن هذه الرواسب بسعر الذهب الخالص.
وأكد توفيق أن القطعة عند تسخينها قد تفقد ربع جرام أو حتى نصف جرام دفعة واحدة، مشددًا على أن هذه الحالات واقعية وحدثت معه شخصيًا خلال عمله في السوق، وهو ما يبرز حجم المخاطرة التي يتحملها المشتري غير المحترف.
وفي هذا الإطار، أوضح أن الموازين المستخدمة في المحال الرسمية تخضع لمعايرة دقيقة ورقابة سنوية من مصلحة الدمغة والموازين، الأمر الذي يجعل فرص التلاعب شبه معدومة.
كما تطرق إلى الحيل في الأقفال والأحجار، مشيرًا إلى حشو السيليكون: بعض القطع (مثل الكرات أو الأقفال “الأسانسير”) يتم حشوها بالسيليكون، مما يضيف وزنًا يتراوح بين 35 مللي إلى نصف جرام.
في حين قد تحتوي الأقفال الحديثة (مثل العوامة) على سوست معدنية تزن ما بين نصف جرام إلى جرام كامل، يتم احتسابها كذهب خالص عند البيع الفردي، بينما تخصمها الشركات المحترمة عند الاسترداد.
رقابة الموازين والثقة
تخضع موازين الجواهرجية لدمغة سنوية من مصلحة الدمغة، مع تفتيش دوري ومعايرة دقيقة تصل إلى مليجرامات، مما يضمن دقة الوزن.
وشدد على أهمية الاعتماد على الموازين الرسمية والمعتمدة لضمان دقة الوزن والتسعير، وحماية المستهلك من خسائر غير محسوبة عند التعامل في الذهب المستعمل.
ودافع توفيق عن التجار: “استحالة حد يقول لك دي 10 جرام ونص وهي 11 جرام”، مؤكدًا أن أصغر تاجر يتعامل بملايين الجنيهات ولا يحتاج إلى سرقة 200 جنيه، ومع ذلك، ينتقد اتهامات “الحرامية”، مشيرًا إلى فروقات أسعار طفيفة بسبب التحوطات التجارية أو العجز والفائض في المخزون.
المخاطر على المشترين عبر الإنترنت
يشرح توفيق أن المستهلكين الذين يشترون الذهب من على الإنترنت غالبًا ما يفتقرون للخبرة في تقييم القطع، فقد يكتشف المشتري أن العيار غير صحيح، أو أن الفصوص مخفية وتخصم لاحقًا، أو أن القطعة معدلة بخامات أخرى، وهو ما قد يكلفه مبالغ كبيرة تتجاوز الفارق في السعر الذي وفره عند الشراء.
سياسة البيع في المحلات
بالنسبة للمحلات، يوضح توفيق أن بيع الذهب المستعمل ممكن فقط إذا كانت القطع مدموغة ومعايرة رسميًا، أما إذا كانت القطعة عليها تعديل أو نقص، فيتحمل المحل توثيقها وخصم أي عيوب أو فصوص مفقودة من السعر، ويشير إلى أهمية أن تكون كل المعاملات مبنية على شفافية كاملة لتجنب النزاعات مع العملاء.
التحذير للمستهلكين
يؤكد توفيق أن التعامل مع الذهب المستعمل خارج القنوات الرسمية محفوف بالمخاطر، فالمشتري لا يعرف مصدر الذهب الحقيقي أو أصله، وقد يجد نفسه ضحية عمليات نصب أو بيع قطع مغشوشة، كما يحذر من شراء القطع الصغيرة بغرض توفير مبالغ بسيطة، إذ يمكن أن يتسبب ذلك في خسائر أكبر بكثير.
الدمغة واللوجو… ليست كل القطع سواء
كشف “توفيق” عن وجود “خط ” لغوايش ذهبية مقلدة تحمل “دمغات حكومية مزورة” وشعارات شركات كبرى، هذه الغوايش تباع على أنها عيار 21 (نقاء 875)، لكن عند تحليلها يتضح أنها عيار 9 فقط (نقاء 400)، مما يمثل كارثة للمشتري.
وأشار إلى أن أقلام الدمغة قد تتعرض للسرقة أو التقليد، وأن التاجر المحترف يستطيع اكتشاف الدمغة الأصلية من خلال دقة الطبع وطريقة النقش، وليس الرقم وحده، مؤكدًا أن تقليد قلم الدمغة ليس أمرًا مستحيلًا تقنيًا.
وشدد أيمن توفيق على أن الدمغة وحدها لا تكفي لضمان سلامة القطعة، لافتًا إلى انتشار مشغولات “مضروبة” في السوق تحمل دمغات وأختامًا مقلدة، بل وأحيانًا فواتير.
السبايك… الإغراء الأكبر والخطر الأكبر
وحذر أيمن توفيق بشدة من تداول السبائك بين الأفراد، موضحًا أن بعض السبايك المتداولة عبر الإنترنت قد تكون مفرغة أو محشوة بمواد غير ثمينة، وأن رفض المشتري فك الغلاف حفاظًا على “الكاش باك” يمثل مجازفة غير منطقية.
وقال: “أنت بتضحي بـ700 ألف جنيه علشان خايف على كاش باك مش هيجيب 3 أو 4 آلاف جنيه”، معتبرًا أن هذا المنطق هو جوهر الأزمة الحالية.
وأضاف أن هناك سبائك “مزيفة” تُباع في بعض الأسواق الخارجية كهدايا، ثم يتم تمريرها داخل السوق المحلية باعتبارها أصلية، وهو ما لا يستطيع المواطن العادي تمييزه.
خسائر واقعية وتجارب مؤلمة
وسرد أيمن توفيق نماذج واقعية لعملاء تعرضوا لخسائر فادحة نتيجة الشراء من الإنترنت، من بينها حالات تحويلات بنكية مزيفة، أو شراء حلقان غير ملحومة، أو قطع اتضح لاحقًا أنها محشوة أو مغشوشة، ما أدى لخسائر وصلت إلى عشرات الآلاف من الجنيهات.
وأكد أن توفير بضع مئات من الجنيهات قد يقود إلى خسارة عشرات الآلاف، بل مئات الآلاف، وهو ما يجعل هذا النوع من الشراء غير مبرر اقتصاديًا.
لماذا نجحت السبايك وفشلت المشغولات؟
أشار أيمن توفيق إلى أن النجاح اللافت الذي حققته السبائك الذهبية كأداة ادخار لا يعود فقط إلى انخفاض تكلفتها مقارنة بالمشغولات، وإنما يرتبط بالدرجة الأولى بالتزام الشركات المنتجة بسياسات واضحة ومعلنة فيما يتعلق بالعيار وإعادة الاسترداد.
وأوضح أن هذا الالتزام منح السبائك قدرًا عاليًا من الثقة، على عكس قطاع المشغولات الذي يعاني من تفاوت في العيارات وعدم التزام بعض المصانع بإعادة شراء منتجاتها بشروط محددة.
وأكد توفيق أن غياب سياسة استرداد واضحة وعادلة للمشغولات الذهبية ألحق ضررًا بالغًا بالصناعة، وأسهم بشكل مباشر في تراجع مبيعاتها لصالح السبائك.
وأضاف أن الإقبال على السبائك لا يرتبط فقط برغبة المستهلكين في الادخار، بل بنجاح الشركات في ترسيخ نظام “الكاش باك” أو إعادة الشراء، الذي وفر للعميل أمانًا نفسيًا وماليًا عند إعادة البيع.
وأشار إلى أن هذا الواقع وضع المستهلك المصري، ولا سيما السيدات، في موقف صعب، إذ يضطر كثيرون إلى شراء السبائك وتخزينها بدلًا من اقتناء المشغولات للزينة، ليس عن قناعة، ولكن بدافع الخوف من خسارة المصنعية والفصوص عند البيع في المستقبل.
ونصح توفيق المستهلكين بالتحقق من الشركات التي تضع شعارات واضحة وتلتزم بسياسات تضمن استرداد المشغولات بالفصوص كاملة، محذرًا في الوقت نفسه من التلاعب بالعلامات التجارية أو الادعاءات غير الموثقة.
وفي السياق ذاته، دافع توفيق عن استمرار إنتاج السبائك صغيرة الوزن، مثل ربع ونصف الجرام، مؤكدًا أنها تخدم شريحة واسعة من المجتمع تمثل نحو 75% من المصريين الذين يلجؤون إلى التحوط بمدخراتهم المحدودة، مشددًا على أن وقف إنتاج هذه الفئات يعني الإضرار المباشر بهذه الشريحة وحرمانها من وسيلة آمنة للادخار.
درس “سقوط الألماس”
استشهد توفيق بانهيار سوق الألماس في مصر كدرس قاسٍ، حيث أوضح أن مبيعات الألماس كانت في ذروتها خلال التسعينيات وبداية الألفينات، لكنها انهارت بسبب سياسات التسعير الخاطئة وعدم الالتزام بالاسترداد، مما كبد العملاء خسائر تصل لـ 40% عند البيع، وأفقد السوق الثقة.
فشل سوق الألماس بسبب خسارة 30-40% في الاسترداد، حيث باع خاتم 35 ألف جنيه بـ7 آلاف فقط، مقارنة بالذهب الذي حقق مكاسب.
وأشار إلى اختفاء ظاهرة بيع الذهب البلدي لعدم مظبوطية العيار وخصومات الريسيل، بينما نجح الجنيه الذهب المغلف بمصنعية 75 جنيه/جرام (من 40 جنيهاً سابقًا) بفضل المصداقية.
يقول توفيق: “لو السبائك اتعملت زي المشغولات هتقع، النجاح في الالتزام بالريسيل والكواليتي”.
الفضة.. “الحصان الأسود” للاستثمار
أكد أيمن توفيق أن الفضة أصبحت تتصدر المشهد الاستثماري في الوقت الراهن، واصفًا إياها بأنها «تكتسح السوق» مقارنة بالذهب خلال الفترة الأخيرة، وعقد توفيق مقارنة رقمية مباشرة تعكس هذا التفوق، موضحًا أن من اشترى نصف كيلو فضة قبل شهر واحد فقط حقق اليوم ربحًا يزيد بنحو 12 ألف جنيه عن شخص استثمر القيمة نفسها في جنيه ذهبي خلال التوقيت ذاته.
وأرجع توفيق هذا الأداء القوي إلى وجود عجز عالمي متزايد في سوق الفضة، لا سيما في الصين، إلى جانب الفجوة السعرية الكبيرة بين الذهب والفضة.
وأشار إلى أن التقديرات المستقبلية تضع أونصة الذهب عند مستويات تقارب 4500 دولار، مقابل نحو 72 دولارًا لأونصة الفضة، وهو ما يمنح الأخيرة هامش صعود واسعًا خلال المرحلة المقبلة.
وأوضح أن أسعار الفضة قفزت بنحو 148%، من 29 دولارًا إلى 72 دولارًا للأوقية، متجاوزة بذلك مكاسب الذهب، مدفوعة بعوامل تتعلق بنقص المعروض عالميًا وتزايد الطلب في الأسواق الآجلة.
وفي هذا الإطار، شدد توفيق على أهمية إدراج الفضة ضمن المحافظ الاستثمارية، قائلاً: «لازم يبقى عندك استثمار في الفضة». وأوضح أن نصف كيلو فضة تم شراؤه قبل شهر بنحو 48 ألف جنيه، يجري تداوله حاليًا عند مستويات تقارب 60 ألف جنيه، محققًا ربحًا قدره 12 ألف جنيه، مقارنة بأرباح تتراوح بين 5 و8 آلاف جنيه فقط لمن اشترى جنيهًا ذهبيًا بالقيمة نفسها.
وخلص إلى أن المقارنة العملية تؤكد أن من استثمر في نصف كيلو فضة خلال الفترة الأخيرة حقق مكاسب تفوق نظيره المستثمر في الجنيه الذهب بنحو 12 ألف جنيه، ما يعكس التحول النسبي في فرص الاستثمار بين المعدنين.
يعتبر الذهب المستعمل فرصة للربح إذا تم التعامل معه بحذر وضمن القنوات الموثوقة، لكن الاستهانة بالضوابط القانونية والفنية تعرض المشتري لخسائر مالية وقانونية محتملة.
الخبراء ينصحون دائمًا بالاعتماد على المحلات المعروفة والقطع المدموغة، والابتعاد عن التعاملات غير المضمونة على الإنترنت أو من أشخاص مجهولين.















































































