قال النائب الأول لحاكم مصرف سوريا المركزي الدكتور مخلص الناظر، إن الفضة تُعد حاليًا من أكثر السلع سخونة في الأسواق العالمية، إلا أن الدخول إليها بدوافع غير صحيحة قد يحمل مخاطر استثمارية مرتفعة.
ويشدد الناظر على حقيقة أساسية كثيرًا ما يتم تجاهلها، وهي أن الفضة معدن صناعي في الأساس، وليست معدنًا نقديًا، موضحًا أن هذا الفارق الجوهري يغيّر تمامًا طريقة تقييمها واستثمارها.
ويشرح الناظر أن المعدن الصناعي لا يمكنه أن يؤدي وظيفة مخزن للقيمة، لأن الجزء الأكبر من إنتاجه يُستهلك مباشرة داخل الدورة الصناعية، ولا يتراكم على شكل مخزون نقدي مستقر عبر الزمن، ويضرب مثالًا بالنفط، الذي يُعد أكثر سلعة تداولًا في العالم، حيث يتم تداول نحو 100 مليون برميل يوميًا، يذهب معظمها مباشرة إلى الاستهلاك الصناعي، ما يجعل المخزون القابل للتراكم محدودًا للغاية، وبالتالي يستحيل اعتباره نقودًا.
ويشير الناظر إلى أن الفضة تواجه الإشكالية البنيوية نفسها، موضحًا أنها فقدت دورها النقدي منذ نحو 150 عامًا، وتحديدًا في سبعينيات القرن التاسع عشر، عندما أدى التوسع الكبير في إنتاج الفضة – خاصة في المكسيك ومناطق أخرى – إلى زيادة حادة في المعروض، ما خلق ضغوطًا تضخمية قوية، وفي التوقيت نفسه، تخلت ألمانيا عن معيار الفضة واعتمدت المعيار الذهبي، لتخرج الفضة عمليًا من النظام النقدي العالمي.
ومنذ ذلك الحين، أصبحت الفضة معدنًا صناعيًا في المقام الأول، لا أصلًا نقديًا، بحسب الناظر.
ويرى الدكتور مخلص الناظر أن الارتفاع الحالي في أسعار الفضة تقوده بالأساس دوافع صناعية وهيكلية، وليس اعتبارات نقدية، فالعالم يشهد تفككًا في سلاسل التوريد، وإعادة تموضع صناعي، وسعيًا متزايدًا من الدول لتأمين المواد الاستراتيجية، وهو ما يعزز الطلب الحقيقي على الفضة.
ويضيف أن التوسع النقدي وسياسات طباعة النقود كان لها تأثير على الأسعار، لكنها تظل عاملًا ثانويًا مقارنة بالطلب الصناعي الفعلي.
ولتوضيح حجم هذا الطلب، يشير الناظر إلى أن الصاروخ المتطور من طراز “توماهوك” يحتاج إلى نحو 500 أوقية من الفضة، أي ما يقارب 15 كيلوجرامًا، ما يعني أن إنتاج ألف صاروخ فقط يستهلك نحو 15 طنًا من الفضة، هذا بخلاف الاستخدامات المتزايدة للفضة في الصناعات الكهربائية، والروبوتات، والصناعات العسكرية، والفضاء، والتقنيات المتقدمة.
ويؤكد الناظر أن الطلب على الفضة حقيقي وهيكلي، لكن في المقابل، هناك نقطة حاسمة يغفل عنها كثير من المستثمرين، وهي أن عرض الفضة مرن نسبيًا.
فمع الارتفاع الحاد في الأسعار، يستجيب العرض بسرعة، حيث تعود مناجم متوقفة إلى العمل، وتصبح المشروعات الهامشية مربحة، ويتدفق معروض جديد إلى السوق.
ويوضح الناظر أنه في حال وصول سعر الفضة إلى مستويات مبالغ فيها – مثل 500 دولار للأوقية – فإن ذلك قد يؤدي لاحقًا إلى تصحيح عنيف يعيد الأسعار إلى مستويات أدنى بكثير، ربما قرب 50 دولارًا.
ويضيف أن الأسعار الحالية، قرب 80 دولارًا للأوقية، لا تزال لا تجعل العديد من مناجم الفضة مربحة، بينما عند مستويات مرتفعة للغاية تصبح الغالبية العظمى من المناجم مجدية اقتصاديًا، وهو ما يزيد المعروض.
ويؤكد الناظر أن هذه القاعدة لا تنطبق على الذهب، موضحًا أن حتى لو ارتفع سعر الذهب عشرة أضعاف، فإن الزيادة في المعروض ستظل محدودة للغاية، بسبب الندرة البنيوية وصعوبة التوسع في الإنتاج، وهو ما يجعل الذهب معدنًا نقديًا حقيقيًا ومخزنًا للقيمة.
ويختتم الناظر حديثه بالتأكيد على أن الفضة تمثل فرصة استثمارية صناعية قوية، بينما يظل الذهب أصلًا نقديًا بامتياز، مشددًا على أن الخلط بين طبيعة المعدنين يؤدي إلى قرارات استثمارية خاطئة، خاصة في فترات التقلبات الحادة بالأسواق.

















































































