ارتفعت قيمة احتياطيات روسيا من الذهب بنسبة 72%، أو ما يعادل 96 مليار دولار، منذ بداية عام 2022، وتظهر البيانات أن الكمية الفعلية للذهب لدى “بنك روسيا” لم تتغير بشكل ملحوظ خلال السنوات الثلاث الماضية، وظلت عند نحو 75 مليون أوقية، ووفقاً لبيانات البنك المركزي.
لا يزال مصير الاحتياطيات الروسية التي جُمّدت في الخارج كعقوبة على غزو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لأوكرانيا في عام 2022 غير واضح، ولم يستبعد الاتحاد الأوروبي استخدام جزء من تلك الأموال لمساعدة كييف في الحرب ضد روسيا أو لتمويل إعادة الإعمار بعد انتهاء الصراع.
في أسوأ السيناريوهات، حيث لا يُستعاد أي من الأصول المجمدة، فإن ارتفاع قيمة الذهب الروسي قد يعوض نحو ثلث الخسائر المحتملة، أما إذا نجحت مساعي الرئيس الأميركي دونالد ترمب لإنهاء الحرب وأدّت إلى رفع التجميد عن بقية الاحتياطيات، فإن الكرملين سيكون في وضع مالي غير مسبوق في تاريخه.
ورأت تاتيانا أورلوفا، وهي اقتصادية لدى “أوكسفورد إيكونوميكس”، أن “الذهب يُعد أقل سيولة مقارنةً بالأصول الاحتياطية التقليدية الأخرى مثل سندات الخزانة الأمريكية أو الديون الأوروبية”، لكنها أشارت إلى أن الطلب العالمي المرتفع على الذهب حاليًا قد يسهّل على البنك المركزي بيع كمية كبيرة نسبيًا منه حال وقوع أزمة في ميزان المدفوعات.
بدأ البنك المركزي الروسي هذه السياسة في عام 2014، عقب ضمّ روسيا غير القانوني لشبه جزيرة القرم، والذي أدّى إلى فرض عقوبات غربية واستبعادها من مجموعة الثماني، وبين عامي 2014 و2020، وهي فترة تراوح فيها سعر الذهب بين 1100 و1500 دولار للأوقية، زادت روسيا احتياطياتها من المعدن النفيس بنحو 40 مليون أوقية.
منذ ذلك الحين، تضاعف سعر الذهب، ما دفع إجمالي احتياطيات روسيا الدولية للاقتراب من أعلى مستوى تاريخي بلغ نحو 650 مليار دولار حتى الأول من أبريل.
بحسب بيانات “مجلس الذهب العالمي”، يُعد “بنك روسيا” حاليًا من بين أكبر 5 حائزين للذهب بين البنوك المركزية، مع احتياطات تبلغ قيمتها نحو 229 مليار دولار.
بعد غزو أوكرانيا في 2022، فرضت الولايات المتحدة وحلفاؤها موجة جديدة من العقوبات الواسعة على قطاعات رئيسية من الاقتصاد الروسي وعلى كيانات تابعة للدولة، بما في ذلك تجميد جزء من احتياطيات البنك المركزي، ووفقاً لحسابات “بلومبرج” استنادًا إلى أحدث البيانات المتاحة حول هيكل احتياطيات روسيا من العملات الأجنبية، قد تصل الأموال المجمدة إلى نحو 322 مليار دولار.
وأظهرت تلك البيانات أن روسيا كانت تحتفظ بنصف احتياطياتها في أصول مقومة بالدولار واليورو والجنيه الإسترليني، بينما استُثمر الباقي في اليوان والذهب، وهما لا يزالان متاحين للاستخدام في حالات الطوارئ، ومنذ بداية الحرب، توقف البنك المركزي الروسي عن نشر بيانات تفصيلية حول تركيبة احتياطياته من العملات الأجنبية.
تكديس احتياطيات الذهب كان بمثابة تحوّط ضد الصدمات الجيوسياسية، وقد نجح الأمر بالفعل، “بنك روسيا” اتبع نهجًا في شراء الذهب لتحقيق 3 أهداف رئيسية، تتضمن (1) تنويع الأصول الاحتياطية الدولية بعيدًا عن مخاطر الدول التي تصدر عملات الاحتياط، (2) تعزيز السيولة المحلية بالروبل عبر استبدال الذهب المادي بالعملة المحلية، (3) توفير مصدر طلب مستقر لمنتجي الذهب المحليين، ارتفاع قيمة احتياطيات الذهب يثبت أهمية الذهب كأداة للتنويع والتحوّط.
سجّل الذهب مستوى قياسيًا بلغ 3168 دولارًا للأوقية يوم الخميس، قبل أن يتخلى عن بعض مكاسبه، وسط تزايد القلق من تصاعد التوترات التجارية والجيوسياسية، والتي أجّجها فرض ترمب رسومًا جمركية جديدة، ما دفع المتعاملين إلى اللجوء للأصول الآمنة، وقد أنهى المعدن النفيس أفضل ربع سنوي له منذ عقود، محققًا عائدًا مركبًا بنحو 27% منذ نهاية عام 2022، عندما بدأت موجة الصعود، وهو أداء يفوق معظم الأصول الأخرى خلال نفس الفترة.
رغم هذا الارتفاع الحاد، من غير المرجح أن يدفع ارتفاع سعر الذهب البنك المركزي الروسي إلى البيع، ما لم يواجه أزمة حادة، وذلك نظراً لخياراته المحدودة لإعادة تخصيص الأموال في ظل العقوبات الغربية.
أقرّ “بنك روسيا” في تقريره السنوي الصادر في مارس بـ”الفرص المحدودة” المتاحة للاستثمار في أدوات مالية أجنبية، بسبب “المخاطر الكامنة في اقتصادات تلك الدول وعملاتها وأسواقها المالية”.
“لا توجد حاجة حالية لإنفاق الاحتياطيات، لدى بنك روسيا سيولة كافية باليوان لمواجهة أي صدمات”، وفق أوليج كوزمين، رئيس قسم الأبحاث في “رينيسانس كابيتال” (Renaissance Capital).