«لتك من دهب تلتك من فيروزت
تلتك من عقيق مكة جالي مفروز.
نعناع الجنينة المسقى في حيضانه»
الأغنية الجميلة التى يرجعها البعض للنوبة، والبعض الآخر لقبائل العبابدة والجعافرة، ولكن الجميع اتفق على أنها عنوان الفرح عند أهل الجنوب أهل الذهب فى بلاد سميت بلاد الذهب، لأنه في أرضها كالتراب كما وصفها القدماء نوبة « نيبو -نوب»، كلها مشتقة من نوبرية مناجم الذهب بلغة مصر القديمة، لذلك فليس غريبًا، أن يقول مقطع من نعناع الجنينة
«يا ام عقدين ذهب ثلاثة وثلاثين طارة ما عين رأت ما وردت على بكارة، يوم طلت علينا الكل وقعوا سكارى ،سقطت فى الحليب ما بينت له عكارة».
فلبس الذهب ارتبط بثقافة أهل النوبة، والجنوب منذ فجر التاريخ ومن أولى منهم بذلك.
لكن تبلور شكل أغلب نقوش الذهب النوبي التي نعرفها الآن كان في عصر «مروى» عندما انتقلت عاصمة مملكة النوبة إليها من نباتًا في الشمال حوالى القرن السادس قبل الميلاد، بالطبع كان لحضارة مصر الشمالية أقوى أثر على الحلي وطرق الحياة والعبادة واللبس، وكافة أشكال الثقافة ولكن المملكة الغنية بالذهب والحديد عبر علاقتها التجارية واتصالها بحضارات البحر المتوسط والفرس والرافدين والهند، ابتكرت تشكيلات جديدة في صياغة الحديد والذهب والمجوهرات المطعمة بالأحجار الكريمة ونصف الكريمة لإرضاء أسواق البلاد المحيطة، وشيئا فشيئا بدأت هذه التشكيلات والأذواق تدخل على حليها وأدواتها، ولعل المشاهد لمجوهرات «أمانى شيختو» ملكة مروى التي اكتشفها فرلينى بالهرم رقم ٦ ، والمحفوظة حاليًا في متحف ميونخ.
يلاحظ هذا التطور كما يلاحظ أيضًا فى الخواتم والعقود والأقراط المطعمة بالعقيق الأبيض والعقيق الحجازي والفيروز والحلي المصنوعة من رقائق الذهب على شكل الأهلة في بداية الشهرالقمري، أساسًا لتطور المصاغ النوبي الحالي وللمصاغ الشعبي المصري في العموم.
وكانت صياغة رقائق الذهب في «مروى» تتم من خلال حفر رقائق الذهب على اسطمبات القوالب البلدية، وهذه الطريقة ظلت هي الأساس في الصياغة في مصر حتى وقت قريب.
العامة في الحياة اليومية، كانوا يلبسون عقودًا من خرز الكوارتز الأبيض والوردى والاماتيست والعقيق.
اليوم طقوس لبس واقتناء الذهب في النوبة تتم في الأغلب مثل كل بنات الطبقة المتوسطة في مصر مع اختلاف نوع الحلي والكمية، في البداية ومنذ الميلاد، تتلقى الفتاة قطع صغيرة من الذهب كهدايا، أو ما يسمى بالنقوط، وكلما كبرت الفتاة يتم تبديل هذه القطع بالأكبر والأكثر قيمة لتناسب سنها وحجمها، بعد ذلك وعند خطبة الفتاة النوبية يقدم لها العريس أول هدية وهى «قصة الرحمن»، وهى قطعة ذهبية مثلثة لتحلية الجبهة، المثلث في العموم يرمز للنجاح وعندما يكون مقلوبًا يرمز للأرض والماء، وتزين الأذن بثلاثة أفراد إثنان صغيران في أعلى الأذن والمنتصف، يسميان «تميم مزينان» بيدور وزخارف نباتية وكبير في شحمة الأذن يسمى «زمام بويا» ينقش بثلاثة صفوف من المثلثات وتحبيبات صغيرة في الأنف ويوصل بسلسلة فوق الأذن «البارتوى»
ثم تتوج الجميلة بـ «الشاوشاو» المصنوع من الفضة غالبًا، والذهب أحيانًا لينسدل على الأكتاف مربوطًا، الشرائط تعصب الرأس أو «الرضة العربية» حلية مأخوذة من القبائل العربية عبارة عن أقراص ذهبية موصولة في ما يشبه الشبكة تغطى الرأس حتى المفرق، وفي الرقبة تلبس عدة عقود «الجاكيد» ست قطع مستديرة ترمز لقصر الشمس أمون تتوسطها دلاية كبيرة الحجم مكتوب عليها ما شاء الله، مزج رائع بين المصري القديم والإسلامي، «الدوجا» وتتكون من 24 حبة مخروطية ذهبية و 6 فواصل مربعة مع 36 خرزة ذهبية، ويكمل بخطوات من العقيق والفيروز ليلف الرقبة، وكلما زادت خرزات الذهب فيه دل ذلك على ثراء المرأة، أما «البية» فهى ست دلايات كمثرية الشكل مرسوم عليها نجوم وأهلة، و«السافت» وهو 9 وحدات من الصناديق الذهبية المربعة مزخرفة النجمة خماسية بينها خرزات الذهب والعقيق والفيروز، يوجد أيضًا «الزيتونى» وقلادات «حب الشعير» ،فى المعصمين سوارى الفضة المنفوخة المسميات «قبة زمزم»، عادة ما يكونا مطعمان بمثلثات الفضة، وحبات فضية وزخارف، ومنهم حجم كبير للذراع، وهو طراز منتشر عبر أفغانستان حتى المغرب وشمال أفريقيا وفى اليمن والصومال عبر قبائل البدو الرحل، في الأقدام دائمًا ما تلبس «الحجول» أو «الخلاخيل» المصرية المبرومة المنقوشة أو السادة.
الآن تقبل الفتيات في النوبة على الموديلات الحديثة والطرازات الهندية والخليجية، وتكاد بعض الطرز أن تنقرض، ولكن يظل للمصاغ النوبي سحره الذى يبهر حتى يومنا هذا مبهرًا وملهمًا لأعظم صناع الحلي في العالم.
والعنب البناتى طالل من المحبوبة
والى داقه مرة ما يعرف ابدا توبة
ويعود له تاني النوبة بعد النوبة
ما دامت قسمته على الجبين مكتوبة
نعناع الجنينة.