في عام 1944 اجتمع ممثلو 44 دولة لتطوير النظام النقدي الدولي، في مدينة بريتون وودز بولاية نيوهامبشير الأمريكية، بهدف ضمان استقرار سعر الصرف، ومنع التخفيضات التنافسية، وتعزيز النمو الاقتصادي، واستمر العمل بها حتى عام 1958، حيث استقرت الحسابات الدولية للدول العاملة بالدولار، إذ يمكن تحويله إلى الذهب، بسعر صرف ثابت 35 دولارًا للأوقية، والتي كانت قابلة للاسترداد من قبل حكومة الولايات المتحدة، وبالتالي تكون الولايات المتحدة ملتزمة بدعم الدولار في الخارج مع الذهب، مما جعل سعر صرف العملات الأجنبية ثابتة مقارنة بالدولار.
كان في ذلك الوقت قد وصل معدل البطالة إلى 6.1 % في أغسطس 1971 ، وبلغ التضخم المالي نحو 5.84 %، ولمكافحة تلك الأزمة قرر الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون يوم الجمعة الموافق 13 أغسطس 1971 ، كسر نظام بريتون وودز ، وعلق قابلية تحويل الدولار إلى الذهب، وتجميد الأجور والأسعار لمدة 90 يومًا لمكافحة الآثار التضخمية المحتملة، وفرض رسوم استيراد 10 % لمنع التكالب على الدولار ، واستقرار الاقتصاد الأمريكي، والحد من البطالة والتضخم .
كانت هذه هي المرة الأولى التى سنت الحكومة الأمريكية تجميد الأجور ومراقبة الأسعار فيها منذ الحرب العالمية الثانية، وتم إنشاء نظير تكلفة إضافية للاستيراد 10% ، بهدف التأكد من أن المنتجات الأمريكية لن تكون في وضع الاحتضار، بسبب التقلبات المتوقعة في سعر الصرف .
وعلى الرغم من أن سياسة نيكسون لم تلغ نظام بريتون وودز للصرف المالي الدولي بشكل رسمي، ولكن تعد تعليقًا لواحد من المكونات الرئيسية المقدمة على نحو فعال، إذ جعلت نظام وودز غير قابل للتنفيذ، وأعلن الرئيس الأمريكي نيكسون استئناف التحويل المباشر للدولار بعد الاصلاحات التى طبقت على نظام وودز ، قائلآ:” إن جميع محاولات الاصلاح أثبتت فاشلة ” ، وبحلول عام 1973 تم استبدال نظام بريتون وودز بحكم الأمر الواقع إلى نظام تعويم العملات الورقية، والذى لا يزال العمل به قائمًا حتى الآن .
ولكن كما اتضح فيما بعد، فقد انتهى معيار الذهب، و أسفرت أشهر من الدبلوماسية من قبل بول فولكر، رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي، عن اتفاق يضم 10 دول بشأن نظام جديد لمعدلات تحويل ثابتة لسعر جديد للذهب، ولكن سرعان ما انهار، ولم يحل محله شيء. وبدلاً من تعديل اتفاقية “بريتون وودز” كما كان ينوي، أطلق نيكسون حينئذ 50 عامًا من العملات الورقية، والمدعومة فقط بالثقة في الحكومات المصدرة والبنوك المركزية.
صدمة نيكسون نجاح أم ركود إقتصادي ؟
ينظر الكثير إلى صدمة نيكسون على أنها نجاح اقتصادي، ولكن الحقيقة الاقتصادية التى جلبت في السبعينات، أدت إلى عدم استقرار العملات المعومة، كما انخفضت قيمة الدولار بمقدار الثلث وفقًا لتقرير “وورلد تريد رفيو ” بعنوان ” صدمة نيكسون بعد أربعين عاما : إعادة فرض الرسوم الإضافية ” .
كتب دوكلاس إروين في التقرير أن المسئولين الأمريكين لم يتمكنوا من من أخذ موافقة بلدان أخرى على إعادة التقييم الرسمي لعملاتهم، مما أدى إلى ارتفاع قيمة المارك الألماني بشكل كبير بعد تعويمه في مايو 1971 .
علاوة على ذلك أثارت أزمة صدمة نيكسون تكهنات هائلة ضد الدولار، أجبرت البنك المركزي الياباني على التدخل بشكل كبير في سوق تداول العملات للحيلولة دون ارتفاع الين ، في غضون يومي 16 و 17 أغسطس 1971، كما اشترى البنك المركزي الياباني 1.3 بليون دولار لدعم الدولار والحفاظ على السعر القديم لصرف الين مقابل الدولار، 360 ين: 1 دولار ، ارتفعت الاحتياطيات الأجنبية اليابانية بسرعة: 2.7 بليون دولار (30%) بعد أسبوع و4 بليون دولار في الأسبوع التالي. ومع ذلك، فإن هذا التدخل واسع النطاق من قبل البنك المركزي الياباني لم يحل دون انخفاض الدولار أمام الين، لكنه لم يسمح للفرنك بالارتفاع أمام الذهب وفقآ لتقرير دوكلاس .
كما أن النظام النقدي العالمي الحالي لا يمثل أي دور للذهب؛ في الواقع، فإن الاحتياطي الفيدرالي غير ملزم بربط الدولار بأي شيء، بل يمكنه طباعة كميات كثيرة أو قليلة تبعًا لما يراه مناسبًا، وهناك مزايا قوية لمثل هذا النظام غير المقيد، بدايةً، فإن الاحتياطي الفيدرالي حر في الاستجابة للركود الفعلي أو المھدَّد من خلال ضخ الأموال.
وعلى سبيل المثال كانت المرونة السبب في انهيار البورصة عام 1987، والذى بدا مخيفًا مثل انهيار 1929، حيث لم يتسبب في حدوث ركود في الاقتصاد الحقيقي، في حين تتمتع العملات الوطنية المعومة الحرة بالمزايا، إلا أنها محفوفة أيضًا بالمخاطر ، وبالتالي يمكن أن يؤدي تعويم العملات إلى خلق حالة من عدم اليقين لدى التجار والمستثمرين الدوليين، على مدار السنوات الخمس الماضية، كما أصبحت أعلى قيمة للدولار 120 ين وأقل قيمة 80 ين، تعد تكاليف هذا التذبذب من الصعب تقديرها، يرجع هذا جزئيًا إلى الأسواق المالية المتطورة التي تسمح للشركات بالتحوط ضد هذه المخاطر، لكنها يجب أن تكون كبيرة. علاوة على ذلك، فإن النظام الذي يترك المديرين الماليين أحرار في اتخاذ القرارات الصائبة فإنه قد يخلق منهم أيضًا أشخاص غير مسئولين، وفي بعض البلدان، سارعوا إلى اغتنام الفرصة.
ولكن الجدل حول صدمة نيكسون مازال قائمًا حتى اليوم، حيث يحاول الاقتصاديين والسياسيين تفسير صدمة نيكسون وأثرها على السياسة النقدية في ضوء التغيرات الإقتصادية .
أدت صدمة نيكسون إلى هبوط الدولار مسعرًا بالذهب بنسبة 90% خلال العقد الذى تلا صدمة نيكسون .
الأوقية تسجل أعلى مستوياتها في أغسطس 2020
أدت أزمة نيكسون إلى تواصل الاضطراب في سوق الذهب وأسواق النقد العالمية، وللوصول لحل لتلك الأزمة انتهى الأمر بإبرام إتفاقية سميثونيان فى ديسمبر 1971، واتفق فيها الموقعون على تخفيض قيمة الدولار بما يمكن أن يتحقق معه علاج عجز ميزان المدفوعات الأمريكي، وتم تخفيض الدولار مقابل إلغاء الولايات المتحدة لضريبة الواردات والتي كانت ستحدث ضررا بالصادرات الأوروبية واليابانية للولايات المتحدة
وعلى الرغم من اتفاقية سميثونيان، استمرت أسعار الذهب في الأسواق العالمية في الارتفاع المتواصل، فارتفعت من 42 دولارًا للأوقية في ديسمبر 1971 إلى 112 دولار للأوقية في مطلع 1973، وفى عام 1980 وصل سعر الأوقية إلى 800 دولار ، وفى ذات الوقت تسبب ارتفاع أسعار الفائدة في دول غرب أوروبا في توجه بلايين الدولارات للاستثمار فيها، فتفاقم عجز ميزان المدفوعات الأمريكي من جديد، وعندئذ قامت الولايات المتحدة في فبراير 1973 بتخفيض جديد في سعر الدولار بنسبة 10%، فقامت على أثر ذلك ست دول أوروبية بتعويم عملاتها فى مواجهة الدولار والين اليابانى. وتثبيت أسعار الصرف فيما بينها (نظام الثعبان الأوروبى).
كما شهد سعر الأوقية تذبذبًا ملحوظًا منذ ذاك الوقت وحتى الآن ، حيث سجل سعر الأوقية خلال عام 2000 نحو 283 دولارًا ، متأثرا نهاية الحرب الإثيوبية الإريترية في 25 مايو 2000 والتي بدأت في 6 مايو 1998، نهاية الحرب المكسيكية في 2000 والتي بدأت في 1954. 8 مارس – كارثة قطار طوكيو، انزلاق في قطار يتبع مترو طوكيو يودي بحياة 5 أشخاص. 25 مايو – الانسحاب الكامل لاسرائيل من جنوب لبنان.
ووصل سعر الأوقية فى عام 2005 نحو 513 دولارًا ، بعد إعلان إنهاء الحرب في جنوب السودان ، وسجلت الأوقية في عام 2010 نحو 1410 دولارات ، حيث اتصف هذا العام بالكوارث الطبيعية مثل زلزال الصين وحرائق غابات افريقيا ، مما أدى الى توقف الانتاج على مستوى العالم.
وسجلت الأوقية عام 2015 نحو 1115 دولار ، على خلفية ثورات الربيع العربي وتغيير النظ السياسية في الدول العربية ، وارتفعت في أغسطس 2020 لتسجل نحو 2075 دولارًا، كأعلى مستوى لها على الإطلاق، بفعل تداعيات جائحة كورونا .
وتتأثر أسعار الذهب بالأحداث العالمية ، حيث دفعت الحرب الروسية الأوكرانية الأوقية لتسجل نحو 2068 دولارًا في مارس 2022، لتقترب من رقمها القياسي السابق المسجل في 2020، وتتراوح أسعار الذهب خلال العام الجاري ما بين 1919 و1940 دولارًا ، وفقا لتغيرات العرض والطلب ، وأسعار البورصة العالمية .
وفي السياق ذاته، حاولت بعض الدول الخروج من سيطرة الدولار وهيمنته الاقتصادية ، بمحاولة الوصول إلى وضع آمن بعيدا عن الركود الاقتصادي، وارتفاع معدلات التضخم وذلك بتوفير حصيلة دولارية، وزيادة الاستثمارات التجارية، التى تسهم في زيادة الدخل القومي .