قال هاني جنينة، رئيس قطاع البحوث بشركة الأهلي فاروس، إن التراجع الأخير في أسعار الذهب عالميًا، رغم التصعيد العسكري في منطقة الشرق الأوسط، يرجع لعدة أسباب.
وأوضح جنينة، أن هناك ثلاثة عوامل رئيسية ضغطت على أسعار الذهب مؤخرًا، وجعلته عاجزًا عن الاستفادة من التوترات الجيوسياسية بالشكل التقليدي الذي اعتاده المستثمرون.
أولًا: فتور الطلب الاستهلاكي في الصين
بحسب جنينة، تُعد الصين المحرك الأكبر للطلب الفعلي على الذهب، سواء في قطاع المجوهرات أو الاستثمار الفردي،
لكن خلال الأسابيع الماضية، لوحظ تباطؤ واضح في الشراء من قبل الأفراد الصينيين، مدفوعًا بارتفاع الأسعار لمستويات تاريخية، إلى جانب تفاؤل حذر بإمكانية تهدئة الخلافات التجارية مع الولايات المتحدة.
“المستهلك الصيني بدأ يعيد تقييم قراراته الشرائية”، يقول جنينة، موضحًا أن هذا الفتور ساهم في تقليص الزخم الداعم للأسعار، خاصة في ظل تشبّع جزئي من الشراء خلال الشهور الماضية.
ثانيًا: تباطؤ شراء البنك المركزي الصيني
وأشار جنينة إلى أن البنك المركزي الصيني، الذي كان أحد أبرز مشتري الذهب عالميًا، بدأ يُبطئ وتيرة مشترياته بشكل ملحوظ،
ففي مايو 2025، اكتفى بشراء 1.9 طن فقط، مقابل 2.3 طن في أبريل ومارس، و5 أطنان في يناير، وذروة بلغت 10 أطنان في ديسمبر 2024.
“هذه الأرقام تؤكد وجود تراجع تدريجي في شهية الصين للذهب، وربما تشير إلى رغبتها في تثبيت نسبة الذهب ضمن احتياطياتها عند مستوى 7% تقريبًا”، بحسب جنينة.
وأضاف أن الصين تتبادل حاليًا المركزين الخامس والسادس عالميًا مع روسيا من حيث حجم احتياطي الذهب، والذي يقترب من 2,300 طن، لكن دون تحرك تصاعدي كبير في الفترة الأخيرة.
ثالثًا: الفيدرالي الأمريكي ما زال متماسكًا
ورأى جنينة أن استمرار تثبيت أسعار الفائدة في الولايات المتحدة الأمريكية، رغم بوادر تباطؤ التضخم، أضعف من جاذبية الذهب كتحوط.
ويوضح،طالما لم يبدأ الفيدرالي خفض الفائدة فعليًا، ستظل أدوات الدخل الثابت مثل السندات أكثر جاذبية للمستثمرين، مشيرًا إلى أن الذهب لا يدرّ عائدًا، وبالتالي يتراجع الطلب عليه في أوقات الفائدة المرتفعة نسبيًا.
الذهب ينتظر محفزًا جديدًا
وأكد جنينة أن تحركات الذهب في الفترة الحالية لا تعكس ضعفًا في قيمته كملاذ آمن، بل تعبر عن توازن حساس بين الضغوط النقدية وضعف الطلب الفعلي، مقابل تصاعد التوترات الجيوسياسية.
“الذهب ما زال محتفظًا بجاذبيته على المدى الطويل، لكن السوق يحتاج الآن إلى محفز أكبر: إما خفض واضح للفائدة من الفيدرالي، أو تصعيد جيوسياسي يتجاوز النطاق الإقليمي”.
ماذا عن السوق المصري؟
في حين يرى محللون أن أسعار الذهب في مصر قد تشهد تذبذبًا ملحوظًا في الفترة المقبلة، حيث تتأثر بالتحركات العالمية من جهة، وسعر الصرف المحلي وتكلفة التحوّط من جهة أخرى.
وأن أي إشارة واضحة من الفيدرالي ببدء خفض الفائدة قد تعيد تدفقات الأموال الساخنة للأسواق الناشئة، وهو ما سيكون له تأثير مزدوج على سعر الذهب محليًا: من حيث الدولار، ومن حيث العوامل النفسية للمستهلك.
ومن ثم فإن الذهب في حالة ترقّب… والمستثمرون ينتظرون إشارة حاسمة من الفيدرالي، فالتوترات الإقليمية، فلم تعد وحدها كافية لتحريك السوق، ما لم يصاحبها تحولات حقيقية في سلوك البنوك المركزية والطلب الفعلي.