في تحول لافت، خرج كريستوفر وولر، عضو مجلس محافظي الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، بتصريحات تُعد من الأكثر أهمية وتأثيرًا منذ بداية دورة التشديد النقدي، مؤكدًا أن خفض أسعار الفائدة قد يكون مطروحًا على الطاولة خلال اجتماع الفيدرالي المقبل في يوليو 2025، إذا واصلت البيانات الاقتصادية مسارها المعتدل.
وولر، الذي يُعرف بكونه من الأصوات “الصقرية” داخل الفيدرالي، أي التي تميل إلى تشديد السياسة النقدية، بدا هذه المرة أكثر مرونة، وأكثر استعدادًا للتعامل مع مؤشرات التباطؤ التضخمي بإجراءات فعلية وليس مجرد مراقبة.
قال وولر بوضوح: “لدينا مجال لخفض أسعار الفائدة، ويمكننا أن نراقب ما سيحدث بعد ذلك، وإذا ظهرت صدمات، يمكننا ببساطة أن نتوقف عن الخفض.”
لهجته كانت واضحة ومباشرة: خفض تدريجي… مع جاهزية للتراجع إن لزم الأمر.
يعد هذا التصريح نقطة تحول في نغمة الفيدرالي، الذي ظل خلال الأشهر الماضية متمسكًا بسياسة “الانتظار والترقب”، رافضًا الإشارة إلى أي مواعيد قريبة لتخفيف السياسة النقدية.
اللافت أيضًا أن وولر قلل من أهمية تأثير التعريفات الجمركية على التضخم، في موقف يُعد مخالفًا لما اعتاد عليه السوق من تحذيرات سابقة.
وقال إن فرض تعريفة بنسبة 10% على جميع الواردات لن يُحدث تأثيرًا كبيرًا على التضخم العام، وهو ما يقلل من احتمالية استخدام تلك الرسوم كذريعة لمواصلة التشديد.
لماذا يتحرك الذهب مع تصريحات وولر؟
الذهب، كمعدن ملاذ آمن، حساس للغاية لتوجهات الفائدة الأمريكية، وعندما يُلمّح عضو بارز في الفيدرالي إلى إمكانية بدء خفض الفائدة، تتراجع عوائد السندات والدولار، ويرتفع بريق الذهب، ذلك لأن الفائدة المنخفضة، تقلل من تكلفة الفرصة البديلة للاحتفاظ بالذهب (الذي لا يدر عائدًا ثابتًا)، وتزيد من جاذبية المعدن الأصفر وقت الضبابية النقدية.
وفور تصريحات وولر، بدأت أسعار الذهب في التحرك صعودًا تدريجيًا، وسط تفاؤل بأن دورة التشديد النقدي قد تكون وصلت إلى نهايتها، وأن الأسواق تدخل مرحلة انتقالية أكثر دعمًا للأصول الآمنة.
تصريحات والر كان لها تأثير أيضًا على الأسواق حيث، شهدت السندات الأمريكية بعض الارتياح، بعد موجة طويلة من القلق من استمرار سياسة التشديد، كما تراجع الدولار، في انتظار المزيد من الإشارات المشابهة من أعضاء آخرين.
في حين التقطت الأسواق الناشئة – مثل مصر – هذه الإشارات باهتمام، نظرًا لانعكاساتها المباشرة على تدفقات الاستثمار وتكلفة الاقتراض.
في السياق المصري، قد تُمثّل هذه التصريحات فرصة مؤقتة أمام الاقتصاد لجذب بعض التدفقات من رؤوس الأموال الساخنة، خاصة إذا تزامن ذلك مع استقرار في سعر الصرف، وانخفاض في علاوة المخاطر (CDS).
لكن هذه الفرصة لن تكون تلقائية أو مضمونة، بل مشروطة بمدى قدرة الحكومة على توفير بيئة آمنة للمستثمرين، بجانب هدوء التوترات الجيوسياسية.
الفيدرالي الأمريكي بدأ يغيّر النغمة، وتصريحات كريستوفر وولر لم تفتح فقط باب النقاش داخل الفيدرالي حول الفائدة، بل بعثت برسالة واضحة للأسواق، بأن المرحلة المقبلة ستكون أقل تشددًا، وهي أول إشارة رسمية على نية الخروج من عصر الفائدة المرتفعة، ومن ثم قد يكون الذهب أكبر المستفيدين.