يعتمد اقتصاد بوتسوانا بشكل كبير على الماس، الذي يمثل حوالي 80% من الصادرات، وثلث الإيرادات المالية، وربع الناتج المحلي الإجمالي، وتعد البلاد أكبر منتج للماس في العالم من حيث القيمة، ولكن الاقتصاد صغير (حيث يبلغ إجمالي الناتج المحلي حوالي 20 مليار دولار أميركي)، وبالتالي فإن الماس له تأثير اقتصادي كلي ومالي كبير للغاية، عند الاستقلال في عام 1966، كانت البلاد فقيرة للغاية ومتخلفة، وقد أتاح الماس، الذي تم اكتشافه بعد الاستقلال بفترة وجيزة، الفرصة لانتشال بوتسوانا من براثن الفقر وإنهاء الاعتماد على المساعدات الخارجية.
ولكن من المؤكد أنه كان من الأهمية بمكان إدارة موارد الماس بشكل جيد، أولاً، نظرًا لحجمه الكبير، فإن قطاع الماس المُدار جيدًا من شأنه أن يحقق فوائد اقتصادية كلية ومالية كلية كبيرة، والعكس صحيح بالنسبة للقطاع الذي تتم إدارته بشكل سيئ، وثانياً، فإن تاريخ الاقتصادات الغنية بالمعادن حافل بالفشل، والذي غالباً ما كان راجعاً إلى سوء الإدارة أو الفساد، وهو المصير الذي كانت بوتسوانا عازمة على تجنبه.
لقد تم اتباع عدد من المبادئ المهمة منذ الأيام الأولى للنمو الذي تقوده المعادن في بوتسوانا، أحد هذه المبادئ هو “مبدأ الميزانية المستدامة”، والذي يتطلب إعادة استثمار العائدات المستمدة من استغلال المعادن ــ أي من استنفاد مورد غير متجدد ــ في أصول أخرى، سواء كانت أصولاً مادية (الطرق والمياه والبنية الأساسية للطاقة، وما إلى ذلك)، أو رأس المال البشري (الصحة والتعليم)، أو الأصول المالية.
وقد تم استخدام الجزء من العائدات المعدنية المستثمرة في الأصول المالية لبناء صندوق الثروة السيادية، وقد تم تطبيق النظام الحالي منذ منتصف تسعينيات القرن العشرين، ويتألف من صندوقين مرتبطين: صندوق بولا Pula، الذي يضم فوائض ميزان المدفوعات المتراكمة، و صندوق (GIA)حساب الاستثمار الحكومي، الذي يحتفظ بالفوائض المالية المتراكمة، ويقع الصندوقان على جانبي الميزانية العمومية للبنك المركزي (بنك بوتسوانا)، ويميلان إلى التحرك بشكل وثيق معًا.
من حيث الاقتصاد الكلي، يعد صندوق بولا هو الأكثر أهمية، فهو يديره بنك بوتسوانا، ويشكل جزءًا منفصلاً من احتياطيات النقد الأجنبي، المستثمرة في الأصول الأجنبية، ومن خلال الاستثمار خارج البلاد، ساعد هذا في تجنب قيود القدرة الاستيعابية والتضخم الاقتصادي عندما كانت عائدات المعادن تنمو بسرعة، وقد تم دعمه بسعر صرف “ثابت” (أو مُدار بإحكام)، والذي لم يُسمح له بالارتفاع نتيجة لفوائض ميزان المدفوعات، كما حقق صندوق بولا عائدًا استثماريًا، تم تمرير جزء منه إلى الحكومة كدخل من الميزانية. وأخيرًا، عمل كصندوق استقرار (لتخفيف الصدمات الاقتصادية الكلية المتعلقة بالمعادن)، كما تم تصميمه كصندوق للأجيال القادمة (لتوليد دخل طويل الأجل للتعويض عن الانخفاض المحتمل في عائدات المعادن).
ولقد كان تراكم المدخرات المالية راجعًا إلى حد كبير إلى صفقة مواتية للغاية تفاوضت عليها حكومة بوتسوانا مع شركة دي بيرز، شريكتها في مشروع تعدين الماس، وقد تحسنت شروط صفقة تقاسم العائدات تدريجيًا بمرور الوقت من خلال جولات عديدة من المفاوضات منذ أوائل سبعينيات القرن العشرين، بحيث تتلقى حكومة بوتسوانا الآن ما يقرب من 85% من الأرباح التي تولدها تعدين الماس في البلاد.
لقد تمكنت بوتسوانا من تجنب أسوأ حالات الفساد التي شهدتها العديد من الاقتصادات المعدنية، وهناك عدد من الأسباب وراء ذلك، بما في ذلك المسؤولون الأكفاء والصادقون في القطاع العام، والنظام المالي الشفاف المنصوص عليه في التشريعات الرئيسية (قانون المناجم والمعادن، وقانون إدارة المالية العامة، وقانون الضرائب)، مع وجود مجال ضئيل للإنفاق خارج الميزانية.
كما ساعد التعامل مع شركة واحدة في التعامل مع معظم عائدات المعادن، وبموجب الاتفاق مع شركة دي بيرز، تمتلك حكومة بوتسوانا 50% من المقاعد في مجلس إدارة شركة التعدين الماسية المشتركة (ديبسوانا)، فضلاً عن مقعدين (و15% من الأسهم) في مجلس إدارة شركة دي بيرز، الشركة الأم، وقد ساعد هذا في تعزيز الشفافية والوصول إلى المعلومات، كما ساعد في الحد من مخاطر تسعير التحويل، وفي مفاوضاتها مع شركة دي بيرز، استعانت حكومة بوتسوانا بخبرات خارجية رفيعة المستوى (قانونية وفنية ومالية) حيثما كان ذلك ضروريًا، لتمكينها من مواكبة الموارد المتاحة لشركة دي بيرز.
وأخيراً، يخضع صندوق بولا لإدارة البنك المركزي، وقد استفاد من المستوى العالي من الخبرة والاستقلالية التي تأتي مع هذا.
وعلى الرغم من هذه النجاحات، فقد أصبحت العديد من أوجه القصور في النظام الحالي واضحة على مر السنين، أولاً، يعتمد النظام بشكل كبير على قرارات الميزانية “المسؤولة”، وعلى القواعد والمبادئ التوجيهية التي يمكن تجاهلها، إن التدفقات الداخلة والخارجة إلى صندوق بولا Pula و صندوق GIA مدفوعة بالمتبقيات (في ميزان المدفوعات والميزانية)، ولا توجد قواعد صارمة بشأن حصة عائدات الماس التي يجب توفيرها في الأصول المالية، وعلاوة على ذلك، يمكن سحب هذه الأصول دون قيود، طالما كان ذلك قائمًا على ميزانية أقرها البرلمان قانونًا.
إن الاعتماد على القواعد والمبادئ التوجيهية بدلاً من المتطلبات القانونية ينجح عندما ترتفع الإيرادات بسرعة، ولكن هذا الاعتماد أصبح أقل فعالية الآن بعد أن نضجت صناعة الماس وتجاوزت ذروتها في المساهمة الاقتصادية والمالية، فقد كان صندوق بولا وصندوق الماس في انحدار في السنوات الأخيرة، سواء من حيث القيمة المطلقة أو نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي، حيث تم سحب الأموال لتمويل العجز المالي وعجز ميزان المدفوعات.
وفي غياب القيود الملموسة على عمليات السحب، أصبح صندوق بولا الآن أقرب إلى صندوق الاستقرار، ولكنه أصبح الآن أصغر من أن يوفر صندوقًا للأجيال القادمة (الذي من شأنه أن يولد عائدات/دخلاً كبيراً ليحل محل عائدات المعادن بمجرد نفاد الماس). وتنظر الحكومة الآن في إطار قانوني ومالي أكثر صرامة من شأنه أن يتطلب ادخار نسبة محددة من عائدات الماس في الأصول المالية، وتقييد عمليات السحب، بهدف توليد أصول أكبر وبالتالي دخول مستقبلية، مع أساس قانوني أقوى.