سجلت أسعار الفضة تراجعًا ملحوظًا خلال الأسبوع الماضي، متأثرة بانحسار التوترات الجيوسياسية وتحوّل المستثمرين نحو الأصول ذات العائد الثابت، في مقدمتها السندات الأمريكية، وبحسب تقرير صادر عن مركز «الملاذ الآمن» (Safe Haven Hub)، انخفضت أسعار الفضة في السوق المحلية بنسبة 1.5%، في حين تراجعت الأوقية عالميًا بنسبة طفيفة بلغت 0.03%.
وافتتح جرام الفضة عيار 800 تعاملات الأسبوع عند 51.25 جنيه، قبل أن يختتم الأسبوع عند 50.50 جنيه، متراجعًا بنحو 0.75 جنيه، وعلى الصعيد العالمي، تحركت الأوقية في نطاق ضيق، حيث بدأت التداولات عند 35.93 دولار، ولامست مستوى 36.83 دولار، قبل أن تغلق عند 35.92 دولار.
انحسار التوترات الجيوسياسية يضعف شهية المخاطر
أوضح التقرير أن تراجع الطلب على الفضة كملاذ آمن جاء عقب تقارير عن تقدم في مفاوضات التهدئة بين إسرائيل وإيران، ما أنهى موجة صعود قوية دامت لأيام، وأدى إلى إعادة تسعير في السوق، رغم أن الأوقية لا تزال تحتفظ بمكاسب تفوق 20% منذ بداية العام، بعد بلوغها أعلى مستوياتها في 13 عامًا.
في هذا السياق، قال التقرير إن تحول المزاج الاستثماري أجبر الصناديق على تعديل مراكزها، بعدما فقدت الفضة أحد أبرز محركاتها خلال النصف الأول من عام 2025، حين ارتفعت بنسبة تقارب 30% بدعم من تصاعد التوترات الجيوسياسية.
المعطيات الأمريكية تزيد الضغط على المعادن
تزامن ذلك مع نتائج اختبارات الضغط لعام 2025 التي أجراها مجلس الاحتياطي الفيدرالي، وأظهرت تمتع 22 بنكًا أمريكيًا كبيرًا بمراكز مالية قوية، ما بدد المخاوف بشأن استقرار النظام المصرفي، وقلل الحاجة للتحوط عبر المعادن.
كما خفّت التوقعات بخفض وشيك في أسعار الفائدة، حيث تشير تقديرات السوق إلى احتمال بنسبة لا تتجاوز 25% لخفض في يوليو المقبل، رغم ضغوط سياسية من الرئيس ترامب لتيسير السياسة النقدية، ويعزز هذا التوجه التشددَ النقدي، ويقلّص جاذبية الأصول غير المدرة للعائد مثل الفضة.
وفي المقابل، ارتفع العائد على السندات الأمريكية لأجل 10 سنوات إلى 4.275%، ما شكل عامل جذب للمستثمرين الباحثين عن عائد، وزاد من تكلفة الفرصة البديلة لحيازة المعادن.
الفضة… بين مكاسب العام وضغوط المرحلة
ورغم التراجعات الأخيرة، لا تزال الفضة تحتفظ بمكاسب قوية منذ بداية 2025، مدعومة بعوامل أساسية، من أبرزها:
-
الارتفاع القياسي في أسعار الذهب، والذي يرتبط تاريخيًا بحركة الفضة.
-
عجز مستمر في المعروض للعام الخامس على التوالي.
-
ارتفاع قوي في الطلب الصناعي، خاصةً من قطاعي التكنولوجيا الخضراء والإلكترونيات.
-
موجات شراء استثماري بدافع التحوط من عدم اليقين الاقتصادي والجيوسياسي.
توقعات مستقبلية… والأنظار على الفيدرالي والشرق الأوسط
توقع محللو «سيتي بنك» استمرار الزخم الإيجابي للفضة خلال الفترة المقبلة، مرجحين وصول الأسعار إلى 40 دولارًا خلال 6 إلى 12 شهرًا، وربما إلى 46 دولارًا بحلول الربع الثالث من 2025، مدفوعة بعوامل العرض والطلب الصناعي المتزايد.
لكن يبقى أداء الفضة مرهونًا بعوامل عدة، على رأسها توجهات السياسة النقدية الأمريكية، وتطورات المشهد الجيوسياسي في الشرق الأوسط. أي تصعيد مفاجئ أو انعطافة في موقف الفيدرالي نحو التيسير، قد تعيد إشعال موجة صعود جديدة للمعدن الأبيض.
الفضة في قلب تقاطعات الاقتصاد والصناعة والجغرافيا السياسية
تُعد الفضة من بين المعادن النفيسة التي تجمع بين جاذبية الاستثمار وضرورات الاستخدام الصناعي، ما يمنحها طابعًا مزدوجًا في سوق السلع العالمية، وعلى عكس الذهب، الذي يُستخدم في الغالب كأصل للتحوط، تعتمد الفضة بشكل كبير على الطلب الصناعي، لاسيما من قطاعات الطاقة المتجددة، والإلكترونيات الدقيقة، وتقنيات الاتصالات.
في السنوات الأخيرة، ازدادت أهمية الفضة مع تسارع التحول العالمي نحو الاقتصاد الأخضر، إذ تدخل بشكل أساسي في تصنيع الألواح الشمسية، والبطاريات، والسيارات الكهربائية، وقد ساهم هذا الاتجاه في تعزيز الطلب العالمي على الفضة، خاصة في ظل محدودية المعروض واستمرار عجز السوق.
لا يمكن فصل تحركات أسعار الفضة عن المشهد الجيوسياسي العالمي. فغالبًا ما تنشط الفضة كـ”ملاذ آمن” في أوقات الأزمات، إلى جانب الذهب، مع زيادة الإقبال عليها في فترات الاضطرابات الجيوسياسية، أو الأزمات المصرفية، أو حتى المخاطر التضخمية.
لكن على النقيض من الذهب، تتسم الفضة بتقلبات سعرية أكثر حدة، حيث تتأثر بشكل مباشر بأي تغيرات في توقعات أسعار الفائدة، أو تحركات الدولار الأمريكي، أو تغيرات في العوائد الحقيقية للسندات ففي أوقات تشدد السياسات النقدية، تميل الفضة إلى التراجع، نظرًا لأنها لا تُدرّ عائدًا، وتصبح أقل جاذبية مقارنة بالأصول الثابتة الدخل.
وفي ظل تطورات 2025، فإن الفضة تجد نفسها في مفترق طرق: من جهة، هناك دعم قوي من الطلب الصناعي وعجز المعروض؛ ومن جهة أخرى، هناك ضغوط متزايدة من السياسة النقدية المتشددة، وانحسار التوترات الجيوسياسية، وهو ما يجعل السوق في حالة ترقب دائمة لأي إشارات جديدة.