شهد الذهب أسبوعًا قويًا أنهى خلاله تعاملاته على ارتفاع بنسبة 4.5 %، مدفوعًا بموجة من القلق في الأسواق المالية بشأن استقرار سوق السندات العالمية، في ظل تصاعد المخاوف من تفاقم أزمة الديون السيادية.
وجاءت هذه التحركات بعد مزادين مخيبين للآمال في سوق السندات، أولهما في اليابان التي سجلت أسوأ مزاد لسندات لأجل 30 عامًا منذ عقود، مما أدى إلى ارتفاع العوائد إلى أكثر من 3.2%، وفي الولايات المتحدة، لم يكن الوضع أفضل، حيث شهدت البلاد مزادًا ضعيفًا لسندات لأجل 20 عامًا، ما دفع العوائد إلى 5%.
وعلى خلاف المعتاد، لم تعكس هذه الارتفاعات في العوائد توقعات بنمو اقتصادي قوي، بل كانت مدفوعة بمخاوف متنامية من عجز الحكومات عن سداد ديونها المتزايدة، وهو ما أدى إلى تراجع شهية المستثمرين تجاه الأصول التقليدية، وتعزيز الإقبال على الذهب كملاذ آمن.
الذهب… أصل بلا مسؤولية
رغم أن الذهب لا يقدّم عوائد مباشرة، إلا أن جاذبيته تكمن في كونه أصلًا نقديًا معترفًا به عالميًا، لا يرتبط بأي طرف أو مخاطر ائتمانية، وتؤكد مؤسسات مالية مثل مجلس الذهب العالمي وجمعية سوق السبائك في لندن على ضرورة تصنيفه كـ”أصل سائل عالي الجودة”، خاصة في أوقات التقلب وعدم اليقين.
لكن هذا التوجه لم يخلُ من التحذيرات، فقد أصدر البنك المركزي الأوروبي مؤخرًا ورقة بحثية أشار فيها إلى أن الزيادة المفاجئة في الطلب الاستثماري على الذهب قد تحمل مخاطر محتملة على الاستقرار المالي، خاصةً في حال وقوع أحداث اقتصادية متطرفة.
وأوضح البنك أن أسواق السلع، ومنها الذهب، تُظهر نقاط ضعف هيكلية، من أبرزها التركّز في عدد محدود من الشركات، وانتشار الرافعة المالية، إلى جانب ارتفاع درجة الغموض بسبب الاعتماد الكبير على المشتقات خارج البورصة.
ردود الأسواق: الذهب لا يزال مستقرًا
ورغم التحذيرات، يرى محللون أن هذه المخاوف مبالغ فيها، ففي تصريحات صحية أكد جوزيف كافاتوني، كبير استراتيجيي السوق في مجلس الذهب العالمي، أن السوق لا تظهر مؤشرات اضطراب تُذكر، بل إن الذهب حافظ على سيولته واستقراره خلال الأشهر الماضية، حتى في ذروة التوترات التجارية والمخاوف من الركود التضخمي.
وقال كافاتوني، إن أداء الذهب خلال الأزمات يعكس صلابته كأداة تحوط استراتيجية، مشيرًا إلى أن سوق الذهب تُعد من بين الأكبر عالميًا، حيث يبلغ متوسط التداول اليومي نحو 165 مليار دولار، ما يجعلها ثاني أكبر سوق تداول بعد العقود الآجلة لمؤشر S&P 500.
الذهب يعود للواجهة
مع تصاعد الشكوك حول قدرة الحكومات على إدارة ديونها واهتزاز الثقة في أدوات الدين التقليدية، يبدو أن الذهب يستعيد دوره التاريخي كملاذ آمن ومخزن للقيمة، خاصة في فترات التقلب وعدم اليقين الجيوسياسي والاقتصادي.
وبينما يترقب المستثمرون التطورات المقبلة في أسواق السندات، يبقى الذهب في الواجهة كأصل استراتيجي قد يكون أكثر أهمية من أي وقت مضى.