تخوض غانا معركة حاسمة لإصلاح قطاع التعدين الحرفي والصغير النطاق، المعروف محليًا باسم “جالامسي”، والذي طالما ارتبط بالفوضى البيئية، وفقدان الإيرادات، وتوسع الاقتصاد غير الرسمي، في ظل خسائر سنوية تُقدّر بأكثر من 2.3 مليار دولار نتيجة تهريب الذهب، أطلقت الحكومة سلسلة من الإصلاحات الجذرية تهدف إلى تنظيم هذا القطاع وتعظيم عوائده الوطنية.
“مجلس الذهب” يتولى زمام الأمور
اعتمدت غانا من الأول من مايو الجاري نظامًا جديدًا لا يُسمح لأي شركة أجنبية بشراء وتصدير ذهب التعدين الحرفي والصغير الحجم، وتأتي هذه الخطوة عقب إلغاء جميع التراخيص التي كانت بحوزة شركات التجارة الأجنبية، وأنشأت الحكومة الغانية “مجلس الذهب” (GoldBod) في مارس 2025، ليكون الجهة الوحيدة المخولة بشراء، وبيع، وتصدير الذهب المستخرج من التعدين الحرفي.
وأصبح على التجار المحليين التقدم بطلبات جديدة عبر المجلس، كما حُظرت مشاركة الأجانب في هذا السوق، مع منحهم مهلة حتى 30 أبريل لمغادرة السوق المحلي.
وقال وزير المالية الغاني كاسييل أتو فورسون: “بأن هذه الخطوة تهدف إلى “تعزيز الرقابة على صادرات الذهب، وزيادة احتياطي النقد الأجنبي، والحد من التهريب”.
نحو تعدين نظيف ومستدام
في إطار التزاماتها باتفاقية “ميناماتا” الدولية، تسعى غانا إلى التخلص التدريجي من استخدام الزئبق في التعدين الحرفي، من خلال مشروع “بلانيت جولد” (planetGOLD Ghana)، تُنظم ورش عمل وطنية لتدريب المعدّنين على تقنيات استخراج الذهب الخالية من الزئبق، مما يساهم في حماية البيئة وصحة العاملين.
تحديات على الأرض
رغم هذه الإصلاحات، يواجه القطاع تحديات كبيرة، فقد طلب العديد من المعدّنين الصغار تمديد المهلة المحددة للحصول على التراخيص الجديدة، مشيرين إلى صعوبات في استيفاء المتطلبات التنظيمية.
من جهة أخرى، لا تزال مشكلة “جالامسي” تؤرق السلطات، حيث تتسبب في تلوث الأنهار، وتدمير الأراضي الزراعية، وخسائر ضريبية تُقدّر بمليارات الدولارات.
لطالما سعت الدولة الواقعة في غرب أفريقيا إلى إعادة هيكلة وتبسيط قطاع التعدين الحرفي والصغير الحجم، الذي يُمثل ثلث إنتاجها من الذهب، وسيُدر 5 مليارات دولار في عام 2024، ويُوظف هذا القطاع الفرعي مليون شخص ويدعم 4.5 مليون شخص بشكل غير مباشر. بلغت صادرات الذهب في غانا 11.6 مليار دولار أمريكي العام الماضي.
على الرغم من أهميته، تسود الفوضى، يزدهر التعدين غير القانوني، المعروف محليًا باسم “جالامسي”، بفضل عمالة الأطفال، وهو مسؤول عن التدهور السريع للأراضي وإزالة الغابات والمخاطر الصحية.
من خلال مركزية التجارة، تأمل غانا في القضاء على ثقافة التهريب واسعة الانتشار، في عام 2022 وحده، تم تهريب 60 طنًا من الذهب بقيمة تقدر بنحو 1.2 مليار دولار أمريكي إلى خارج البلاد.
من المتوقع أن يؤدي قمع التجارة غير القانونية إلى زيادة الإيرادات، مع تأثير متتالي يعزز الاحتياطيات ويستقر العملة المحلية، السيدي.
يبدو التوقيت مثاليًا، فالديناميكيات العالمية، بما في ذلك الاضطرابات الناجمة عن إعلانات الرسوم الجمركية الأمريكية الشهر الماضي، تدفع الطلب على الذهب؛ حيث ارتفعت الأسعار بنسبة 29% هذا العام، لتصل إلى 3500 دولار للأوقية في أبريل. يتوقع بعض المحللين أن تتجاوز الأسعار عتبة 4000 دولار للأوقية بحلول الربع الثاني من عام 2026.
مع ذلك، يُمثل طلب غانا الجديد على الذهب صدمةً للشركات الأجنبية، التي تشتري معظم ذهب التعدين الحرفي صغير الحجم وتُصدّره إلى شركات تجارية أو تكرير دولية مقرها سويسرا والإمارات العربية المتحدة والهند ودول أخرى.
ولكي تواصل هذه الشركات عملها، سيتعين عليها الحصول على الذهب من خلال GoldBod. وهذا يُضيف تعقيدًا آخر، إذ يُحدد القانون الجديد فترة موافقة تتراوح بين 14 و21 يومًا لعمليات شراء الذهب، مما يُهدد بتعطيل سلاسل التوريد وخفض الأرباح.
تُعد جهود غانا الحالية خطوة جريئة نحو تنظيم قطاع التعدين الحرفي، وتحقيق التوازن بين التنمية الاقتصادية والحفاظ على البيئة. لكن نجاح هذه المبادرات يعتمد على التنفيذ الفعّال، ودعم المجتمعات المحلية، والتعاون الدولي لمكافحة التهريب وتعزيز الشفافية.
مع استمرار هذه الجهود، تأمل غانا في تحويل قطاع التعدين الحرفي من مصدر للفوضى إلى ركيزة أساسية في اقتصادها الوطني.