إن الارتفاعات القياسية المرتقبة في أسعار الذهب، جنبًا إلى جنب مع حالة عدم اليقين الاقتصادي المتزايد، وتقلبات الأسواق، دفعت للتركيز على دور المعدن الثمين في الأسواق المالية العالمية، إذ قد يكون الذهب، أداة مهمة في مواجهة أزمة السيولة المحتملة.
قال أسامة زرعي، رئيس قسم التحليل بشركة جولد إيرا للاستثمار وتجارة الذهب، إن موجة الهبوط التي يتعرض الذهب خلال الفترة الحالية، مؤقتة، ومن ثم سيصعد الذهب لمستويات تتجاوز 3700 دولا، مع قرار إعادة تصنيف الذهب كأصل سائل عالي الجودة من الفئة الأولى بموجب لوائح بازل 3 المصرفية في الأول من يوليو المقبل.
أضاف، أن القرار سيمنح البنوك الأمريكية احتساب الذهب المادي بنسبة 100% من قيمته السوقية ضمن احتياطياتها الرأسمالية الأساسية ولن يخفض تصنيفه بنسبة 50% كأصل من الفئة الثالثة، كما كان الحال بموجب القواعد القديمة.
تاريخيًا، كان الذهب مخزنًا للقيمة، وأداة لمواجهة تقلبات الأسواق، وشكلًا من أشكال العملة ورمزًا للثروة، يلجأ إليه المستثمرين لحماية ثرواتهم خلال عدم اليقين الاقتصادي، ولكن هناك سبب آخر للاستثمار في الذهب يتجاهله الكثيرون هو “سيولته”.
يعد الذهب أحد أكثر الاستثمارات “سيولة”، حيث يمكن تحويله بسرعة وسهولة إلى نقود، وتشير السيولة إلى مدى سهولة وسرعة بيع إحدى الأصول مقابل نقود بقيمته السوقية الحالية، على سبيل المثال، الأموال الموجودة في الحسابات المصرفية تعد أصلًا سائلًا، فيمكن سحبها في أي وقت، لكن العقارات تعد أصلًا غير سائل لأنها قد تستغرق وقتًا طويلًا لتحويلها إلى نقود.
ومع ذلك لا تعترف الأسواق المالية الدولية، بالذهب كأصل سائل، ولا تدرجه ضمن الأصول السائلة، مثل الأسهم والسندات والنقود الورقية.
ومن ثم يواصل مجلس الذهب العالمي ورابطة سوق السبائك في لندن، جهودهما في إعادة تصنيف الذهب، والاعتراف به كأصل سائل ضمن المشهد المالي الحديث، وبموجب اتفاقية بازل 3.
في يوليو 2023، عقد مجلس رابطة سوق لندن للسبائك، ومجلس الذهب العالمي اجتماعًا موسعًا مع رئيس وأعضاء بنك التسوية الدولية، لمناقشة مستقبل الذهب وإدراجه ضمن الأصول السائلة.
وبازل 3 هي مجموعة من القواعد التي وضعتها لجنة بازل للإشراف المصرفي عقب الأزمة المالية العالمية 2008 لضمان استقرار النظام المصرفي، ومن أهم ركائزها تعزيز قدرة البنوك على مواجهة الأزمات من خلال امتلاك أصول سائلة يمكن تسييلها فورًا.
وبنك التسويات الدولية هي مؤسسة مالية دولية، مملوكة من البنوك المركزية ترعى التعاون النقدي والمالي الدولي، ويستهدف الاستقرار المالي العالمي، ومقره بازال في سويسرا.
إن إعادة تصنيف الذهب، باعتباره، أصلًا سائلًا، من شأنه أن يعزز استقرار الأسواق، وتحسين السيولة، وزيادة الثقة في النظام المالي، والاستقرار الاقتصادي.
يلعب الذهب دورًا رئيسيًا كاستثمار استراتيجي طويل الأجل وكعنصر أساسي في تنويع المحفظة الاستثمارية، وهو في الحقيقة أصل عالي السيولة، ولا يحمل أي مخاطر ائتمانية، ويحفظ قيمة الأموال بمرور الوقت، ويمكن الاستثمار في الذهب بطرق مختلفة، إما عن طريق الحيازة المادية، من خلال المشغولات وسبائك الذهب والعملات، أو من خلال صناديق الاستثمار المدعومة بالذهب، أو الاستثمار في أسهم شركات تعدين الذهب.
تعد التقلبات السعرية مقياسًا بالغ الأهمية في تقييم مخاطر الاستثمار، وأبرز المآخذ على الذهب هو التقلبات السعرية، ومع ذلك يتميز الذهب بالطلب، ومن ثم قابلية السيولة سواء وقت ارتفاع أو انخفاض الأسعار، فلذهب دائمًا مشترين، ويمكن بيعه وتحويل قمته إلى نقد في أي وقت، كما أن الذهب يتمتع ببنية تقلب مماثلة للأصول التقليدية الأخرى، كالأسهم والسندات والدولار، وهذا ما اكدته بعض الأوراق البحثية من خلال مقارنات بأداء الذهب والأسهم والسندات خلال العقود الأخيرة.
قال سعيد إمبابي، المدير التنفيذي لمنصة آي صاغة لتداول الذهب والمجوهرات عبر الإنترنت، إن قرار الاعتراف تدريجيًا بالذهب المادي كأصل يمكن للبنوك تعتمد عليه ضمن احتياطياتها، ولكن بشروط محددة جدًا، ومن بينها أن يكون محفوظًا في أماكن موثوقة وتحت سيطرة البنك نفسه وفى حوزته.
أضاف، ولكن الأمر ليس كما يعتقد البعض أنه سيبدأ تطبيقه في يوليو المقبل، بل إنه يطبق منذ عدة سنوات، وفي مراحل متفرقة حول العالم.
أوضح، أن القرار لن يدفع البنوك لتعزيز مشترياتها من الذهب، لأنه لا يدر عائد مثل الأسهم والسندات، وما زالت البنوك تفضل أدوات أخر تحقق عوائد ثابتة.
أضاف، أن الطلب من البنوك المركزية يأتي في إطار التوترات الجيوسياسية وسياسة التخلي على الدولار.
أشار، إلى أن بعض المؤسسات الدولية رفعت توقعاتها لأسعار الذهب مثل جولدمان ساكس، ويو بي اس، بين 3500 و 3700 دولار.
أضاف، أن بازل 3 لن تقلب سوق الذهب، وتحركات الأسعار دايما تأتي من خلال عوال مثل التضخم، وأسعار الفائدة، ومشتريات البنوك المركزية، والتوترات الجيوسياسية.