تشهد أسواق الذهب العالمية موجة ارتفاع غير مسبوقة، حيث لامس سعر الأوقية مستويات لامست 3500 دولار، ما انعكس مباشرة على سلوك المستهلكين الذين اتجهوا إلى بيع مجوهراتهم القديمة للاستفادة من الأسعار المرتفعة، ووفقًا لتقرير نشره موقع كيتكو نيوز، فإن متاجر المجوهرات شهدت تدفقًا ملحوظًا للزبائن الراغبين في بيع ما يمتلكونه من ذهب قديم، في ظاهرة تكررت تاريخيًا عند كل ذروة سعرية.
وأشار التقرير إلى أن العديد من المستهلكين يعتبرون هذا الارتفاع فرصة استثنائية لتسييل أصولهم الذهبية وتحقيق عوائد مالية سريعة، خصوصًا في ظل الضغوط الاقتصادية التي يعاني منها كثيرون، كما أن ارتفاع الأسعار إلى مستويات تاريخية شجع حتى أولئك الذين يحتفظون بمجوهراتهم لأسباب عاطفية أو رمزية على اتخاذ قرار البيع.
توبينا خان، رئيسة دار “خان إستيت” للمجوهرات، تحدثت في مقابلة مع موقع كيتكو نيوز، عن الإقبال المتزايد من العملاء الراغبين في البيع، مؤكدة أن مشهد السوق تغيّر كليًا بعد تجاوز الأسعار حاجز الثلاثة آلاف دولار، وقالت: “حرفيًا، الأمور بدأت تتضح بعد أن أحضر لي أحدهم 20 قلمًا من الذهب ليبيعها دفعة واحدة، الناس باتوا يرون في هذا السعر فرصة نادرة لا يجب تفويتها”.
في حين تعرضت أسواق الذهب المحلية لعمليات إعادة بيع مكثفة وغير مسبوقة، خلال الشهور الماضية، أدت لنقص حاد بالسيولة بالأسواق، ودفعت الأسواق للتصدير، لتوفير السيولة المطلوبة، ووفقًا لإحدى شركات التصدير، فقد شهد السوق خروج كميات كبيرة من الذهب المخزن في بيوت المصريين منذ أكثر من 30 عامًا.
وعلى عهدة بعض تجار الذهب الخام، فقد بلغت عمليات التصدير حينها لنحو 50 طنًا أسبوعيًا من كثرة حجم المعروض بالأسواق، وهي أرقام تقريبية غير دقيقة، إذ لم تصدر أي نشرات رسمية من الجمارك لحجم تصدير الخام، ولكنها تكشف عن حجم عمليات إعاد البيع حينها.
عمليات إعادة البيع التي تشهدها الأسواق المحلية حاليًا، لا تعبر عن حالة من فقدان الثقة في الذهب، بل تأكيدًا على دور الذهب في حفظ قيمة الأموال، ووسيلة للتحوط ضد التضخم وتراجع قيمة العملة، وسهولة تحوله إلى نقد، حيث اتجه المصريون خلال السنوات الثلاث الماضية، لتحويل أغلب مدخراتهم إلى الذهب، ومن ثم يحاول كثير من المواطنين الاستفادة من الأسعار الحالية، ليس بدافع المضاربات، لكن بدافع الوفاء بالالتزامات وتلبية الاحتياجات الحياتية الضرورية، وهو ما يؤكده المثل الشعبي “الذهب لوقت عوزة”.
من الطبيعي أن يتراجع الطلب خلال الفترات الحالية، مقارنة بحجم الطلب خلال السنوات الماضية، وهي السنوات التي تعد استثنائية في تاريخ سوق الذهب، نتيجة المتغيرات العنيفة التي تعرض لها الاقتصاد المصري، من ضعف حاد ومتسارع في قيمة العملة، ما دفع الناس لتحويل مدخراتهم ولو بصورة مؤقتة للذهب، وسط حالة من عدم اليقين، ومع استقرار الأوضاع، بدأ الناس مرة أخرى لتحويل الذهب لنقد، لتلبية احتياجاتهم.
خان أوضحت أن الدافع وراء هذا السلوك لا يقتصر على الطمع في الأرباح، بل يتجاوز ذلك إلى أسباب اقتصادية ملموسة، أبرزها سداد الديون أو تعويض خسائر فادحة لحقت بالاستثمارات والأسهم وصناديق التقاعد. “المشاعر العاطفية لم تعد عائقًا أمام البيع، حتى القطع التي تمثل إرثًا عائليًا أصبحت تُعرض للبيع في سبيل الاستقرار المالي”، تقول خان.
وفي ظل غموض اقتصادي ممتد، تعتقد خان أن الذهب بات “المتحكم الحقيقي في السوق”، وأن الطلب عليه لن يهدأ قريبًا، وحتى في حال عودة الهدوء إلى العلاقات التجارية الدولية أو تحسن الأسواق المالية، فإن الأثر العميق للأزمات الأخيرة سيظل دافعًا مستمرًا للحفاظ على الذهب كمخزن للقيمة.
وأفاد بعض التجار أن عمليات البيع تتجاوز في بعض الأحيان مستويات الشراء، مما يعكس قلق المستهلكين من تراجع الأسعار مستقبلًا، وسعيهم للاستفادة القصوى من القيمة السوقية الحالية، ويتوقع محللون أن يستمر هذا الاتجاه طالما استمر الذهب في الارتفاع مدفوعًا بعوامل مثل التوترات الجيوسياسية، وارتفاع معدلات التضخم، وتذبذب أسواق العملات العالمية.
تتوقع خان أيضًا أن يُقدم مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي على خفض أسعار الفائدة في الأشهر المقبلة لدعم الاقتصاد، ما سيزيد من جاذبية الذهب كونه لا يدرّ فائدة، وبالتالي تقل تكلفة الفرصة البديلة للاحتفاظ به مقارنة بالأصول الأخرى.
وعلى الرغم من أن السوق تشهد حاليًا موجة بيع نشطة، فإن خان تعتقد أن موجة شراء جديدة ستبدأ بمجرد أن تهدأ موجة الصعود الحادة للأسعار، “الناس بدأوا يدركون قيمة الذهب، ليس فقط كزينة، بل كأصل استراتيجي في أوقات الأزمات”، تضيف بثقة.
في النهاية، وبينما تتأرجح الأسواق التقليدية تحت وطأة التضخم والمخاوف الجيوسياسية، يظل الذهب، كما كان دائمًا، خيارًا جذابًا للباحثين عن الأمان وسط العاصفة.