قال الباحث الاقتصادي محمود جمال سعيد إن الذهب بدأ عام 2025 بقوة لافتة، مؤكدًا حضوره ليس فقط كملاذ آمن، بل كمؤشر دقيق وشفاف يعكس توازنات الاقتصاد العالمي، فقد تمكن المعدن النفيس من تجاوز عقبات متعددة.
أضاف، لـ عيار24، حقق منذ مطلع العام صعودًا بنسبة 25.6%، ليبلغ سعر الأوقية اليوم نحو 3292.96 دولار، رغم بعض التراجعات الطفيفة خلال شهر مايو بلغت نحو 1.29%، نتيجة لتأثيرات سياسية واقتصادية مؤقتة، مثل تحركات ترامب، وهدوء الحرب التجارية، وتراجع التوترات الجيوسياسية مؤقتًا، غير أن الذهب، بحسب رأيه، أظهر مرونة كبيرة بانتعاشه السريع نحو نهاية الشهر، مما يعزز الثقة في استمرارية الاتجاه الصعودي.
ويرى سعيد أن هذا الصعود ليس عابرًا ولا نتيجة ظروف ظرفية، بل يعبر عن تحولات عميقة في المشهد المالي العالمي، حيث يعاني الاقتصاد الكلي من هشاشة واضحة، وتتصاعد الحاجة إلى أدوات تحفظ الثروة وتقلل المخاطر، وهو ما يجعل الذهب يحتل مركز الصدارة كمكون أساسي في المحافظ الاستثمارية، ليس فقط على الصعيد الدولي، بل حتى في الأسواق المحلية. ويشير إلى أن أداء الذهب القوي يعكس أيضًا ثقة متزايدة من المستثمرين حول العالم في قيمته كأداة تحوط ضد التضخم وتقلبات أسعار الصرف، بل وكمركز استثماري مرن في مواجهة الأزمات.
وعن الوضع الفني للذهب، يوضح الباحث أنه لا يزال يتحرك في اتجاه صاعد قوي، إذ يواصل التداول بثبات فوق المتوسطات المتحركة الرئيسية، مما يدعم بقاء الزخم الإيجابي على المدى القصير. ويحدد مستويات الدعم الحالية عند 3225 دولارًا، تليها منطقة دعم قوية عند 3165 دولارًا، معتبرًا أن هذه النقاط تمثل مناطق ارتداد محتملة في حال حدوث أي تصحيحات سعرية. أما من ناحية المقاومة، فيرى أن الذهب يواجه حاليًا مستويات مهمة عند 3360 دولارًا ثم 3400 دولار للأوقية، ويؤكد أن اختراقها قد يدفع بأسعاره إلى مناطق سعرية جديدة تدعم التوقعات الإيجابية. كما أن مؤشرات الزخم الفنية، مثل مؤشر القوة النسبية ومؤشر الماكد، لا تزال تشير إلى بقاء الدفع الصاعد، مما يعزز من فرص استمرار هذا المسار على المدى القصير والمتوسط.
ومن بين العوامل الداعمة لصعود الذهب، يبرز أولًا: الترقب السائد في الأسواق لاحتمالات بدء دورة تخفيض أسعار الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي خلال النصف الثاني من العام، وهو ما يشجع على الاستثمار في الذهب كونه لا يدر عائدًا، ويصبح أكثر جاذبية مع انخفاض الفوائد.
ثانيًا، يشير إلى التراجع النسبي الذي شهده الدولار الأمريكي في الأسابيع الأخيرة، مما زاد من إقبال المستثمرين على الذهب، خاصة أولئك الذين يتعاملون بعملات أخرى، مستفيدين من العلاقة العكسية المعروفة بين الذهب والدولار.
ثالثًا، يرى أن التوترات الجيوسياسية المتصاعدة، سواء في أوكرانيا أو مناطق أخرى، أسهمت في تعزيز موقع الذهب كملاذ تقليدي في أوقات عدم الاستقرار، أما العامل الرابع، فيتمثل في طلب البنوك المركزية الذي وصفه بأنه غير مسبوق، حيث سجل الربع الأول من العام واحداً من أعلى معدلات شراء الذهب من قبل البنوك المركزية على مستوى العالم، وهو ما يشير إلى تحول استراتيجي في إدارة الاحتياطيات نحو الأصول الآمنة.
ويختم سعيد بالقول إن النظرة المستقبلية للذهب لا تزال إيجابية بقوة، خصوصًا مع ما تصدره كبرى المؤسسات المالية من توقعات داعمة لهذا المسار، فبنك جولدمان ساكس يتوقع أن يصل الذهب إلى مستوى 3500 دولار خلال النصف الثاني من 2025، فيما يرى جي بي مورجان أن نطاق الذهب سيتراوح بين 3100 و3400 دولار، أما سيتي بنك، فيرجّح تذبذبًا مؤقتًا قرب مستوى 3200 دولار قبل عودة الاتجاه الصاعد، وفي المجمل، يرى الباحث أن كل هذه المعطيات تؤكد على أن الذهب بات يشكل ضرورة استثمارية لا غنى عنها في الخارطة الاقتصادية المعاصرة، وليس مجرد أصل بديل.