لا يزال الجدل قائمًا حول دور الذهب في النظام المالي العالمي، رغم تزايد الإقبال الاستثماري عليه في ظل تصاعد حالة عدم اليقين الاقتصادي والاضطرابات الجيوسياسية.
ورغم أن الذهب يُصنف كأصل من الدرجة الأولى بموجب قواعد “بازل 3″، إلا أنه لا يُعترف به حتى الآن كأصل سائل عالي الجودة (HQLA)، وهو التصنيف الذي يسعى مجلس الذهب العالمي إلى تغييره.
وفي أحدث تقاريره، دعا محللو مجلس الذهب العالمي لجنة “بازل” للإشراف المصرفي إلى إعادة النظر في تصنيف الذهب ومنحه صفة الأصل السائل عالي الجودة، مستندين إلى التقلبات الكبيرة التي شهدتها الأسواق المالية خلال الأشهر الأخيرة.
وجاء في التقرير: “خلال الأشهر الماضية، وفي ظل غموض السياسات التجارية، مرت الأسواق المالية بفترة شديدة التقلب اتسمت بتراجع حاد في أسعار الأسهم، وبيع غير معتاد لسندات الخزانة الأمريكية، واتساع في الفارق بين سعري الشراء والبيع. وفي هذا السياق، أثبت الذهب من جديد ما أظهرته الدراسات السابقة: أنه سوق عالي السيولة ومنظم، ويقلل من مخاطر السوق بشكل يماثل الأصول المصنفة كأصول سائلة عالية الجودة”.
ويُصنف “بازل” الذهب بعدة طرق؛ إذ يُعد الذهب المُخصص والمحفوظ في خزائن البنوك أصلًا من الدرجة الأولى، يعادل مكانة النقد. بينما يُخضع الذهب المستخدم كضمان في المقاصات لخفض بنسبة 20% من قيمته الدفترية. أما الذهب غير المُخصص، فلا يُعترف به كأصل سائل، ويعامل مثل باقي السلع، ويخضع لمتطلبات تمويل مستقرة بنسبة 85%، وعامل تمويل مستقر متاح بنسبة 0% وفقًا لقواعد نسبة التمويل الصافي المستقر (NSFR).
وأشار مجلس الذهب العالمي إلى أن الذهب أظهر خلال الأشهر الستة الماضية خصائص عدة تؤهله ليكون أصلًا سائلًا عالي الجودة، مشيرًا إلى أن أداءه كان مشابهًا لأداء سندات الخزانة الأمريكية من حيث السيولة والاستقرار.
وأوضح التقرير أن متوسط تقلب الذهب اليومي بلغ 0.027%، وهو أعلى قليلًا من تقلب سندات الخزانة الأمريكية لأجل 10 سنوات (0.016%)، لكنه يوازي تقريبًا سندات الثلاثين عامًا (0.028%).
كما لفت المحللون إلى أن الفارق بين سعري الشراء والبيع في سوق الذهب يظل ضيقًا، حتى في فترات التذبذب، إذ بلغ متوسط الفارق 2.2 نقطة أساس خلال اليوم، مقارنة بـ1.8 نقطة لسندات العشر سنوات، و3.3 نقطة لسندات الثلاثين عامًا، مما يعكس عمق السوق وقوة سيولته.
وأضاف التقرير أن متوسط حجم التداول اليومي في سوق الذهب خارج البورصة (LBMA OTC) بين نوفمبر 2024 وأبريل 2025 بلغ 145 مليار دولار، وهو رقم يتفوق على متوسط تداول سندات الخزانة الأمريكية ذات آجال بين 7 و10 سنوات، والذي بلغ 143 مليار دولار، ويتضاعف تقريبًا مقارنة بالسندات طويلة الأجل (أكثر من 20 عامًا) التي بلغ متوسط تداولها 72 مليار دولار فقط.
وأشار العديد من المحللين إلى أن الذهب يشهد طلبًا استثماريًا متجددًا باعتباره “الملاذ الآمن الأخير”، في وقت تتراجع فيه جاذبية السندات بسبب تصاعد مستويات الدين العالمي وارتفاع التضخم. وأضافوا أن هذا الاتجاه لا يقتصر على الولايات المتحدة، بل يمتد إلى اليابان، التي شهدت مؤخرًا مزادين ضعيفين لسنداتها طويلة الأجل.
وأكد مجلس الذهب العالمي أن الذهب يتميز بعدة صفات تجعله أصلًا فريدًا ومؤهلًا لتصنيف الدرجة الأولى: فهو معترف به عالميًا، خالٍ من المخاطر الائتمانية، ومقبول عبر الحدود.
وجاء تقرير المجلس بعد أسابيع من إصدار البنك المركزي الأوروبي ورقة بحثية شككت في دور الذهب كملاذ آمن، محذرًا من أن تزايد الطلب عليه قد يؤدي إلى زعزعة استقرار الأسواق.
وقال البنك: “في حال حدوث أحداث اقتصادية شديدة، قد تترتب آثار سلبية على الاستقرار المالي جراء تحركات أسواق الذهب، رغم أن انكشاف القطاع المالي في منطقة اليورو على الذهب محدود مقارنة بأصول أخرى. وتكمن المخاطر في طبيعة أسواق السلع التي تتسم بالتركّز والرافعة المالية والافتقار للشفافية بسبب كثافة استخدام المشتقات خارج البورصة”.
لكن العديد من المحللين رأوا أن هذا الطرح يفتقر إلى الدقة، مؤكدين أن بيانات مجلس الذهب العالمي تُظهر أن السوق ما يزال يتمتع بسيولة واستقرار نسبيين مقارنة بالعديد من فئات الأصول الأخرى، رغم ارتفاع مستوى التقلبات.