شهدت السنوات الأخيرة تزايدًا ملحوظًا في مشتريات البنوك المركزية من الذهب، وكثيرًا ما تتم هذه المشتريات بسرية تامة، في السنوات الأخيرة، عاد الذهب ليحتل مكانة استراتيجية في محافظ البنوك المركزية حول العالم، لكن المثير للانتباه هو تزايد عمليات الشراء التي تتم “سرًا” أو بدون إعلان فوري، ما أثار تساؤلات واسعة في الأوساط الاقتصادية والمالية العالمية: لماذا تتكتم بعض الدول على شراء الذهب؟ وما الذي تسعى إليه من هذا الغموض؟
ارتفاع في الشراء.. وغموض في التفاصيل
وفقًا لمجلس الذهب العالمي، ارتفعت مشتريات البنوك المركزية من الذهب خلال العامين الأخيرين إلى أعلى مستوياتها منذ عقود، وكان جزء كبير من هذه العمليات لم يُعلن عنه في حينه، ويُصنّف تحت بند “الجهات غير المعلنة”.
وفي تقريره الأخير، أشار المجلس إلى أن نحو 20% من مشتريات الذهب المركزية في 2023 تمّت دون الكشف عن هوية الجهات الشارية، وهي نسبة غير مسبوقة منذ انهيار نظام “بريتون وودز”.
أضافت البنوك المركزية 1037 طنًا من الذهب إلى احتياطياتها في عام 2023، وهو ثاني أكبر شراء سنوي في التاريخ بعد عام 2022. وفي عام 2024، استمرت مشتريات البنوك المركزية في الارتفاع، حيث بلغت 1045 طنًا، كانت الصين من أبرز المشترين، حيث عززت احتياطياتها من الذهب لمدة 17 شهرًا متتاليًا.
الدول المعروفة بشراء الذهب تشمل الصين وروسيا وتركيا والهند، لكن الارتفاع في المشتريات غير المعلنة يوحي بوجود دول أخرى تتحرك بصمت لأسباب قد تكون اقتصادية أو سياسية أو استراتيجية.
لماذا تشتري البنوك المركزية الذهب؟ ولماذا سرًا؟
1. تنويع الاحتياطيات والتحوط ضد المخاطر
2. التوترات الجيوسياسية وعدم الثقة بالدولار
3. التحرر من هيمنة الدولار (De-dollarization)
4. حماية العملة المحلية
من هم المشترون “المجهولون”؟
في الوقت الذي تصر فيه دول كالصين والهند على الإعلان التدريجي عن مشترياتها، هناك أطراف – قد تكون من آسيا أو الشرق الأوسط أو أمريكا اللاتينية – تُفضّل البقاء خارج الأضواء، على الأقل حتى يتم تأمين الكميات المستهدفة بالكامل.
تحليل البيانات يشير إلى أن “المشترين غير المعلنين” ربما يسعون إلى تعزيز الاستقلال المالي في مواجهة التوترات الجيوسياسية، ودعم عملاتهم في ظل التضخم المرتفع أو الضغوط الاقتصادية، وحماية احتياطياتهم من المخاطر المرتبطة بالنظام المالي العالمي.
ما الذي يمكن أن تعنيه هذه الموجة؟
في المحصلة، فإن هذا التوجه قد يكون جزءًا من تحول هيكلي في النظام المالي العالمي، حيث تتراجع الثقة في الأصول الورقية التقليدية، ويعود الذهب مجددًا ليؤدي دور “المرجعية الصامتة” في السياسة النقدية العالمية، وإذا ما استمر هذا التوجه، فقد نكون أمام مرحلة جديدة يعاد فيها رسم خريطة القوة الاقتصادية، حيث لا تكون المعركة فقط على الأرض أو في أسواق الطاقة، بل أيضًا في خزائن الذهب.
يعكس تزايد مشتريات البنوك المركزية من الذهب، وخاصة تلك التي تتم بسرية، تحولًا استراتيجيًا في إدارة الاحتياطيات العالمية. تدفع المخاوف من التوترات الجيوسياسية، وعدم الثقة بالدولار، والرغبة في تنويع الأصول، هذه البنوك إلى تعزيز حيازاتها من الذهب كأصل آمن وملاذ موثوق به في عالم يتسم بعدم اليقين. من المتوقع أن يستمر هذا الاتجاه، مما قد يؤثر على أسعار الذهب العالمية في المستقبل.