ظهرت في السنوات الأخيرة ظاهرة تُعرف باسم “ألماس رماد جثث الموتى” أو “ألماس الذكرى”، حيث تُقدَّم هذه الأحجار على أنها طريقة راقية ومؤثرة لتخليد الراحلين، عبر تحويل رمادهم أو خصلة من شعرهم إلى حجر ألماس صناعي يُحتفظ به في خاتم أو قلادة، ليبقى “الراحل” حاضرًا إلى الأبد في قطعة من المجوهرات.
الفكرة بقدر ما تبدو إنسانية وعاطفية، بقدر ما فتحت الباب لأسئلة علمية وأخلاقية، وتحقيقات كشفت أن هذا القطاع، الذي يدر ملايين الدولارات، قد لا يكون صادقًا كما يُسوّق له.
وفقًا لما تروج له الشركات المتخصصة، تبدأ العملية بجمع عينة من رماد أو شعر الشخص المتوفى، ثم استخراج عنصر الكربون منها، وهو المكوّن الأساسي للألماس، بعد تنقية الكربون، يُستخدم في أحد التقنيتين الصناعيتين لإنتاج الألماس: الضغط والحرارة العاليين (HPHT) أو ترسيب البخار الكيميائي (CVD)، وهي نفس الطرق المستخدمة لإنتاج الألماس المختبري العادي.
النتيجة، بحسب تلك الشركات، هي تصنيع حجر ألماس يحمل بصمة الراحل، ويُمثل رابطًا أبديًا بين الفقيد وأحبائه.
في الفترة الأخيرة، ظهرت أصوات علمية ومهنية قوية تشكك في مصداقية هذه الأحجار من الألماس، في مقدمة هؤلاء، يأتي الخبير روبرت جيمس، رئيس المدرسة الدولية للأحجار الكريمة (ISG) ومؤسس Global Claims Associates، والذي قاد تحقيقات موسعة في هذا المجال.
في فيديو تحقيقي قصير نُشر عبر يوتيوب، يكشف جيمس عن مفارقة علمية أساسية: عملية الحرق الكامل للجثامين (التي تصل إلى درجات حرارة تتجاوز 1000 درجة مئوية) لا تترك كميات كافية من الكربون يمكن استخدامها لصناعة الألماس، بل إن الرماد المتبقي بعد الحرق يحتوي أساسًا على معادن غير عضوية وأكاسيد، في حين يتحول معظم الكربون إلى غاز ثاني أكسيد الكربون، ويتلاشى في الهواء.
ومما يثير القلق أكثر، أن هذه الشركات لا تسمح عادة بتحليل مستقل للعينات أو للأحجار المنتجة، ولا تقدم تقارير دقيقة حول نسب الكربون المستخدم أو مصدره الحقيقي، ووفقًا لجيمس، لا توجد حتى الآن طريقة علمية محكمة تتيح التحقق من أن الكربون في حجر الألماس يعود فعلًا إلى الشخص المتوفى.
تسويق “ألماس رماد جثث الموتى ” يعتمد بدرجة كبيرة على الناحية العاطفية والرمزية. تستهدف الحملات الترويجية العائلات التي تعيش حالة حداد، وتقدم المنتج على أنه تذكار خالد لا يُقدّر بثمن.
لكن على أرض الواقع، تشير التحقيقات إلى أن هذه القطع تُسعَّر أضعاف الألماس الصناعي العادي، رغم عدم وجود ما يثبت تفرّدها من حيث المصدر أو التركيب، هذا التفاوت في السعر يثير تساؤلات أخلاقية حول استغلال مشاعر الحزن لتحقيق أرباح ضخمة، من خلال بيع منتج قد لا يختلف ماديًا عن أي حجر آخر مصنع في المختبر.
هذه النوعية من الألماس، بريقها لا يأتي من تركيبته الكيميائية، بل من الفراغ العاطفي الذي يحاول ملؤه، لكن بين النية الطيبة والواقع التجاري، هناك فجوة من الغموض والشك، تزداد اتساعًا كلما غابت الشفافية وابتعدت الممارسة عن الأخلاقيات المهنية.