شهدت أسعار الذهب صعودًا حادًا خلال الأشهر الماضية، حتى بلغت مستويات تاريخية غير مسبوقة، لتلامس الأوقية متوى 3500 دولار في أبريل الماضي، ما أثار موجة من التساؤلات في أوساط المستثمرين والمحللين: هل وصل الذهب إلى مستويات مبالغ فيها؟ أم أن هناك مبررات قوية تبرر استمرار هذا الصعود؟ وهل الأسواق تبالغ في تسعير المعدن الأصفر، أم أنه يعكس واقعًا اقتصاديًا عالميًا متغيرًا؟.
الذهب والانفصال عن التضخم: تحول في السلوك التاريخي
من المعروف أن الذهب كان تاريخيًا يتحرك انسجامًا مع معدلات التضخم، بل وكان يُعد أداة تحوط رئيسية ضده، كما ارتبط إيجابيًا بأداء سندات الخزانة الأمريكية المرتبطة بالتضخم، إلا أن البيانات الأخيرة تكشف عن ظاهرة جديدة: الارتباط بين الذهب وسندات أصبح سلبيًا وبشكل ملحوظ، ما يشير إلى تحول في محركات الطلب على الذهب.
هذا الانفصال يفتح الباب أمام تفسيرين:
-
الأول: أن هناك محركات جديدة لصعود الذهب، مثل تصاعد المخاوف من الأزمات الجيوسياسية، وارتفاع مستويات الديون السيادية حول العالم، وتراجع الثقة في النظام المالي التقليدي.
-
الثاني: أن الذهب ربما أصبح يتداول فوق قيمته الحقيقية، أي أن الأسعار الحالية لا تستند إلى أسس اقتصادية راسخة كالسابق.
هل تجاوز الذهب قيمته العادلة من حيث تكلفة الإنتاج؟
من الأدوات المستخدمة لتقييم ما إذا كانت أسعار الذهب مبالغ فيها، هي المقارنة بين السعر السوقي وتكلفة الإنتاج.
في عام 2025، بلغت تكلفة استخراج أوقية الذهب نحو 1400 دولار، بينما يُتداول الذهب حاليًا عند 3300 دولار للأوقية.
رغم أن هذا الفارق يبدو كبيرًا، إلا أنه لا يصل إلى المستويات المبالغ فيها التي شهدناها في ذروة فقاعة الذهب أواخر السبعينيات أو في عام 2011، ما يعزز من فرضية أن الذهب ليس في فقاعة، بل في مرحلة تسعير جديدة تعكس مزيجًا من الندرة والمخاطر العالمية.
الذهب يشكل 4% من ثروة العالم… فهل هذه نسبة مقلقة؟
بيانات الثروة العالمية تشير إلى أن الذهب أصبح يمثل نحو 4% من إجمالي الثروات العالمية، وهي نسبة لم تُسجل منذ أكثر من عقد، ومع أن هذه الزيادة قد تبدو مفرطة مقارنة بالماضي، إلا أن الواقع العالمي تغير جذريًا:
-
ثقة متآكلة في الدولار الأمريكي كعملة احتياط عالمية.
-
تسارع وتيرة مشتريات الذهب من قبل البنوك المركزية، خاصة في الأسواق الناشئة.
-
تصاعد المخاطر الجيوسياسية وعدم اليقين بشأن مستقبل النظام المالي العالمي.
في هذا السياق، قد تمثل هذه النسبة ما يمكن تسميته بـ”الوضع الطبيعي الجديد” لدور الذهب في إدارة الثروات والاستثمارات.
الذهب لم يعد رخيصًا… لكنه ليس في فقاعة
الذهب لم يعد بالسعر “الرخيص” الذي كان عليه قبل عقد من الزمن، ولكن في المقابل، لا توجد دلائل قاطعة على الذهب ستعرض لفقاعة سعرية، على غرار ما حدث في أوقات سابقة.
ففي ظل عالم تتزايد فيه المخاطر، وتتراجع فيه الثقة بالأنظمة النقدية، يظل الذهب محتفظًا بجاذبيته كأصل نادر، سائل، ومستقل نسبيًا عن تقلبات الأسواق التقليدية.
وبالتالي، ورغم ارتفاع السعر، قد يكون الذهب “غالياً عن استحقاق”… لا مبالغًا فيه.