لم يكن اسم إيرتي مجرد توقيع فني على أغلفة مجلة Harper’s Bazaar الشهيرة، بل علامة فارقة في عالم الفن الحديث، الفنان الروسي الأصل رومان دي تيرتوف (1892 – 1990)، ترك بصمة لا تُمحى على تصميم الأزياء، والديكور المسرحي، والفنون البصرية، ليصل في مرحلة متأخرة من حياته إلى تصميم المجوهرات، حيث ابتكر فلسفة جديدة أسماها “الفن الذي يُرتدى”.
بداياته ورحلة الفن
وُلد إيرتي في سانت بطرسبورج لعائلة عسكرية أرادت له مسارًا تقليديًا في البحرية، لكنه اختار باريس، عاصمة الفن، ليبدأ مشواره الفني عام 1912، عمل مع مصمم الأزياء الشهير بول بواريه، ثم أصبح من أبرز رسامي المجلات، حيث صمّم أكثر من 200 غلاف لمجلة Harper’s Bazaar بين عامي 1915 و1937، إضافة إلى آلاف الرسوم الداخلية التي أسهمت في ترسيخ مكانته كأيقونة لحركة الآرت ديكو (Art Deco).
تنوع إبداعاته
امتد تأثير إيرتي إلى المسرح والسينما، حيث صمم أزياء لماتا هاري، وأعمال فرقة الباليه الروسي، بالإضافة إلى مشاركته في تصميم أزياء وإكسسوارات لأفلام هوليوودية مثل Ben-Hur، كان فنانًا متعدد المواهب: رسم، نحت، ديكور مسرحي، وأزياء، وكلها حملت طابعًا بصريًا مفعمًا بالخطوط الانسيابية والزخارف الشرقية.
المجوهرات.. الحلم المتأخر
رغم غزارة إنتاجه في الفنون البصرية، ظل حلم تصميم المجوهرات يراوده حتى بلغ السبعين، في عام 1974، التقى بالناقد الفني الأمريكي جاك سولومون الذي شجعه على خوض هذه التجربة، عبر مؤسسة رابطة الفنون الجميلة في نيويورك، تحولت رسومات إيرتي إلى حُلي فاخرة صُنعت في ورشة ناتالي كين أوكيف بمدينة سانتا في الأمريكية.
أطلق إيرتي فلسفة جديدة للمجوهرات، تقوم على اعتبارها فنًا يُرتدى يوميًا، وليس مجرد زينة أو استثمار، فكانت تصاميمه مزيجًا من التشكيلات الهندسية والعضوية، مستوحاة من الشرق بألوانه وزخارفه المصرية والفارسية والهندية، إلى جانب عناصر بحرية وخيالية، منفذة بأحجار كريمة فاخرة مثل اللؤلؤ والمرجان والصدف.
أثره وإرثه
بقي إيرتي مخلصًا لهويته الفنية حتى رحيله عام 1990 عن عمر ناهز 97 عامًا، واليوم، تُعرض أعماله في متاحف كبرى مثل متحف المتروبوليتان للفنون بنيويورك ومتحف فيكتوريا وألبرت في لندن، بينما تُباع مجوهراته في مزادات عالمية بأسعار مرتفعة، باعتبارها قطعًا فنية نادرة.
كان إيرتي فنانًا شاملاً جسّد جماليات الشرق والغرب في أعماله. ترك وراءه إرثًا متنوعًا يمتد من صفحات المجلات إلى خشبات المسارح، ومن اللوحات الفنية إلى قطع المجوهرات الراقية، إرثه يظل شاهدًا على أن الفن يمكن أن يكون أسلوب حياة، بل قطعة تُرتدى.