رغم استقراره النسبي حول مستوى 3300 دولار للأوقية، لا يزال الذهب في حالة ترقب وسط ضبابية المشهد الاقتصادي العالمي، خصوصًا فيما يتعلق بأسعار الفائدة وسياسات التجارة، بحسب “جو كافاتوني”، كبير استراتيجيي السوق لأمريكا الشمالية في مجلس الذهب العالمي.
وجاءت تصريحاته بعد إعلان مفاجئ للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عن فرض رسوم جمركية بنسبة 50% على واردات النحاس من الولايات المتحدة، وهو ما يثير تساؤلات حول ما إذا كان الذهب قد يلقى المصير ذاته في حال عودته إلى السلطة.
الذهب لا يزال خارج دائرة الخطر.. لكن الحذر واجب
يؤكد كافاتوني أن الذهب “لا يزال يُعامل بشكل جيد” من حيث السياسات الجمركية، مشيرًا إلى أن الإدارة الحالية – وحتى السابقة – لا تعتبر الذهب من المعادن “الحرجة” مثل النحاس أو الليثيوم، والتي تُستخدم في الصناعات الدفاعية والطاقة والاتصالات. وأضاف: “الذهب يُنظر إليه أساسًا كأصل نقدي، يُستخدم في المدخرات واحتياطيات البنوك المركزية، وليس في الصناعات الاستراتيجية، ولهذا فهو خارج قائمة المعادن الحرجة حاليًا.”
لكن كافاتوني لم يستبعد حدوث تغييرات مستقبلية، خصوصًا إذا أصبحت تدفقات الذهب المادي عبر الحدود مسألة محل خلاف جمركي، لافتًا إلى أن أي تعقيدات لوجستية قد تدفع الإدارة المقبلة لإعادة النظر في المعاملة الجمركية للذهب.
الأسعار تتحرك عرضيًا.. والأنظار تتجه نحو الفيدرالي والدولار
وحول تحركات الأسعار، يرى كافاتوني أن تماسك الذهب حول 3300 دولار يعكس غياب الوضوح بشأن عدد من العوامل المحركة للسوق، قائلًا:”الأسواق تحاول استيعاب سيل المعلومات المتدفقة من التوترات التجارية والرسوم، إلى جانب مستقبل أسعار الفائدة.”
وأوضح أن تحركات الذهب القصيرة الأجل تعتمد بدرجة كبيرة على الزخم وتكلفة الفرصة البديلة، فإذا قرر الفيدرالي الأمريكي خفض أسعار الفائدة لاحقًا هذا العام، فقد يُعزز ذلك من جاذبية الذهب على المدى القصير.
الطلب الاستراتيجي يحافظ على الزخم.. والبنوك المركزية لاعب رئيسي
وفي ما يتعلق بالطلب، قال كافاتوني إن مجلس الذهب العالمي لا ينظر إلى السوق من منظور قصير الأجل فقط، بل يركز على العوامل الاستراتيجية طويلة المدى، مشيرًا إلى أن: “الذهب ارتفع بنحو 26% منذ بداية العام، وهو معدل يفوق متوسط العائدات السنوية المتوقعة عند 8%… ونتوقع استقرارًا نسبيًا لحين وضوح الاتجاهات الكبرى.”
أما فيما يخص الطلب المؤسسي، فقد سلط الضوء على الدور المتزايد للبنوك المركزية، التي باتت تمثل ما بين 20% إلى 25% من إجمالي الطلب السنوي على الذهب خلال السنوات الثلاث الماضية، وبيّن أن:”95% من البنوك المركزية، بحسب أحدث استطلاع للمجلس، ترى أن الذهب سيظل أصلًا مهمًا في الاحتياطيات، ونحو نصفها يخطط لزيادة احتياطياته خلال العام المقبل.”
الإمدادات تحت المراقبة.. التركيز على التعدين الحرفي
من جهة أخرى، أشار كافاتوني إلى أن الإنتاج العالمي للذهب ينمو بوتيرة مستقرة تتراوح بين 1% إلى 2.5% سنويًا، مؤكدًا أن شركات التعدين الكبرى تستفيد من الأسعار المرتفعة وتواصل الأداء فوق مستويات التكلفة المستدامة، إلا أن التحدي الحقيقي، بحسب رأيه، يكمن في مراقبة قطاع التعدين الحرفي الذي يمثل قرابة 20% من المعروض العالمي:”نحن بصدد إطلاق مبادرات لتنظيم وتحسين هذا القطاع غير المنظم… لأنه يمثل تحديًا بيئيًا وتنظيميًا قد يؤثر على استدامة السوق.”
الذهب لا يزال يحتفظ بمكانته كأصل استراتيجي ومخزن للقيمة وسط التوترات الجيوسياسية، لكن السوق يقف عند مفترق طرق بين توقعات خفض الفائدة وخطر تصاعد النزعات الحمائية في السياسات التجارية، ومع استمرار دعم البنوك المركزية وارتفاع الطلب المؤسسي، يبدو أن المعدن الأصفر قد يجد دافعًا جديدًا للخروج من النطاق العرضي في حال اتضحت الرؤية بشأن الفيدرالي والدولار.