في خطوة تعكس تصاعد الضغوط الاقتصادية التي تواجهها، أعلنت حكومة بوتسوانا عن تعديل سياسة صرف عملتها المحلية “البولا”، لتسمح بانخفاض قيمتها بنسبة 2.76% خلال الاثني عشر شهرًا المقبلة، وهو معدل تراجع يفوق ضعف ما كان مخططًا له سابقًا (1.51%).
يأتي هذا القرار في إطار نظام “نطاق الزحف” الذي تتبعه بوتسوانا، والذي يُحدّد سعر صرف البولا مقابل سلة عملات تشمل في الأساس الراند الجنوب إفريقي، ويُراجع مرتين في السنة للسماح بتعديلات تدريجية توازن بين المرونة والاستقرار.
سوق الألماس ينهار.. والاقتصاد يتأرجح
كانت بوتسوانا تُعد أحد أنجح النماذج الاقتصادية في القارة الإفريقية بفضل مواردها الغنية من الألماس، إلا أن التباطؤ العالمي الحاد في هذا القطاع ألقى بظلاله الثقيلة على اقتصاد الدولة المعتمد بشدة على تصدير الأحجار الكريمة.
وفقًا لبيانات البنك المركزي، شهدت مبيعات الألماس الخام تراجعًا حادًا بنسبة 49.2% خلال النصف الأول من عام 2024، مما دفع الحكومة إلى تبنّي إجراءات تقشفية تشمل تقليص السفر الرسمي ووقف شراء المركبات الحكومية، مع احتمال تأجيل بعض مشاريع البنية التحتية الرأسمالية.
وكان الاقتصاد قد انكمش بنسبة 3% في عام 2023، ومع استمرار تراجع العائدات وتدهور ميزان المدفوعات، لا تستبعد السلطات تكرار هذا السيناريو في 2024، بما يعني دخول الاقتصاد في ركود فني.
تآكل الاحتياطيات الأجنبية يهدد استقرار العملة
قال “سعيد تيمونو”، مسؤول في وزارة المالية، في مؤتمر صحفي، إن تراجع احتياطيات النقد الأجنبي زاد من هشاشة النظام النقدي، مشيرًا إلى أن القرار بخفض قيمة البولا تم اعتماده من الرئيس “دوما بوكو” لتعزيز تنافسية الصادرات وتخفيف الضغط على الاحتياطي الأجنبي.
وأضاف تيمونو أن هذه الخطوة تهدف إلى “دعم استقرار الآلية النقدية على المدى القصير، مع الحفاظ على القدرة التنافسية للسلع والخدمات المحلية”، مؤكدًا أن مراجعة جديدة لسياسة الصرف ستُجرى بنهاية العام الحالي.
احتياطيات في أدنى مستوياتها منذ أكثر من عقد
رغم التزام بوتسوانا على مدار سنوات بسياسات مالية صارمة مكنتها من الحفاظ على احتياطيات تكفي لتغطية أكثر من 10 أشهر من الواردات، إلا أن هذه الاحتياطيات واصلت التراجع منذ 2018 لتسجل في فبراير 2024 أدنى مستوى لها عند 5.2 أشهر فقط من الاستيراد، بحسب تقرير صادر عن مؤسسة “BMI”.
ورغم هذا التراجع، يرى محللون أن بوتسوانا لا تزال في وضع أفضل مقارنة بدول إفريقية أخرى تعاني من أزمات حادة في توافر النقد الأجنبي مثل نيجيريا وأنغولا.
مع استمرار الركود في سوق الألماس العالمي، وتآكل الاحتياطيات الأجنبية، وتراجع العائدات، تبدو بوتسوانا مضطرة إلى التكيف مع واقع اقتصادي جديد، قد يتطلب إعادة هيكلة نموذجها التنموي وتقليل الاعتماد على مورد واحد، فهل تنجح هذه الدولة في تجاوز التحدي كما فعلت في السابق، أم أن القادم يحمل مزيدًا من الضغوط على واحدة من أكثر الاقتصادات الإفريقية انضباطًا؟