في خطوة تحمل أبعادًا اقتصادية واستراتيجية، أعلن العراق رسميًا عن إطلاق مشروع “مدينة الذهب” بالعاصمة بغداد، لتكون أول منطقة متخصصة بصناعة وتسويق الذهب والمجوهرات في البلاد، وذلك في إطار توجه حكومي يهدف إلى تنشيط القطاع الصناعي غير النفطي، وخلق فرص عمل، وتعزيز مكانة العراق إقليميًا في سوق المشغولات الذهبية.
مدينة متكاملة لصناعة الذهب
بحسب تصريحات رئيس هيئة الاستثمار الوطنية حيدر مكية، فإن المشروع يأتي ضمن خطة الدولة لتحفيز الاقتصاد الوطني، وتنويع مصادر الدخل، وتقليل الاعتماد على عائدات النفط، وستقام المدينة على مساحة تقارب 50 ألف متر مربع في منطقة النهضة ببغداد، على أن تضم ورشًا ومعامل ومصانع لصناعة وتكرير الذهب، إضافة إلى مراكز تدريبية متخصصة في صياغة وتصميم المجوهرات، وأسواق تجارية لبيع الذهب المحلي والعالمي.
وأوضح مكية أن المشروع سيجري تنفيذه وفق صيغة الاستثمار، بالتنسيق مع المصرف العراقي للتجارة (TBI)، الذي سيتولى تمويل ودعم مراحل التنفيذ، بما يضمن إشراك القطاع الخاص المحلي والدولي في المشروع، وجذب علامات تجارية عالمية إلى السوق العراقية.
نهضة لقطاع مهمل
ويعاني قطاع الذهب في العراق من غياب البنى التحتية الداعمة، وضعف التصنيع المحلي، ما جعل السوق يعتمد بشكل كبير على واردات الذهب المشغول من الخارج، خصوصًا من تركيا والإمارات. ويأمل القائمون على المشروع أن تسهم “مدينة الذهب” في قلب هذه المعادلة، وتحويل العراق من مستورد إلى مركز إقليمي للإنتاج والتصدير.
من جهته، أشار مستشار رئيس الوزراء للشؤون الاستثمارية، محمد نعيم، إلى أن المشروع لا يستهدف فقط إقامة سوق للذهب، بل “بنية متكاملة” تشمل التعليم والتأهيل التقني، من خلال تأسيس معهد حرفي لتدريب الشباب على صناعة الذهب، في ظل ازدياد الطلب على الأيدي العاملة الماهرة في هذا القطاع.
إشارات إيجابية من السوق
وقد لاقت الخطوة ترحيبًا في الأوساط الاقتصادية، حيث رأى خبراء أن المشروع يمكن أن يشكل نقطة تحول حقيقية إذا ما تم ربطه بخطط أوسع لتطوير البنية التحتية المالية والقانونية لقطاع المجوهرات. وعلّق الخبير الاقتصادي نبيل المرسومي بالقول إن مدينة الذهب تمثل “توطينًا لصناعة تقليدية تحمل قيمة مضافة عالية، ويمكن أن تساهم في تحسين ميزان المدفوعات من خلال التصدير لاحقًا”.
أما رابطة الصاغة العراقيين، فقد دعت إلى إشراك الحرفيين المحليين وأصحاب الورش التقليدية في التصميم والتشغيل، لضمان نقل المهارات والمعرفة إلى الأجيال الجديدة، وعدم احتكار المشروع من قبل الشركات الكبرى فقط.
منظور إقليمي
تأتي “مدينة الذهب” العراقية في وقت تشهد فيه المنطقة منافسة قوية على صناعة المجوهرات، مع بروز مراكز مثل دبي والرياض والقاهرة، لكن العراق يعوّل على إرثه التاريخي في صياغة المعادن الثمينة، ووجود سوق محلية نشطة، لإعادة تموضعه كلاعب أساسي في هذا المجال.
في ظل التحديات التي يواجهها الاقتصاد العراقي، تبدو “مدينة الذهب” فرصة واعدة، ليس فقط لتفعيل قطاع مهم طال إهماله، بل أيضًا لإعادة رسم صورة العراق كمركز إقليمي للإبداع والصناعة. وإذا ما كُتب لهذا المشروع النجاح، فقد نشهد خلال السنوات القليلة القادمة ولادة علامة “صنع في العراق” في عالم الذهب والمجوهرات.