لا تُظهر البنوك المركزية حول العالم أي بوادر لتباطؤ اندفاعها نحو الذهب، في وقت أسهمت فيه الاضطرابات السياسية والاقتصادية الناتجة عن سياسات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الخارجية في تعزيز الطلب على المعدن النفيس.
ووفقًا لتقرير بحثي صادر عن شركة الاستثمار العالمية “إنفيسكو”، تواصل البنوك المركزية توسيع حيازاتها من الذهب، حيث يخطط ما يقرب من 50% من الجهات النقدية لزيادة مخصصاتها من الذهب خلال السنوات الثلاث المقبلة.
وقال رود رينجرو، رئيس قطاع المؤسسات الرسمية في “إنفيسكو”:”في ظل تصاعد حالة عدم اليقين وتقييد خيارات تنويع الاحتياطيات بالعملات، عاد الذهب ليشكّل ركيزة أساسية في تعزيز مرونة الأصول الاحتياطية”.
وأضاف: “تكمن قيمة الذهب ليس فقط في كونه ملاذًا آمنًا تقليديًا، بل أيضًا في حياده السياسي، وهو عامل بالغ الأهمية مع تصاعد المخاطر الجيوسياسية”.
وقد أحدثت رئاسة ترامب حالة من الارتباك في الأسواق المالية، وكان لإعلانه عن “يوم التحرير من الرسوم الجمركية” في الثاني من أبريل أثر سلبي حاد على الأسواق الاستثمارية. وسجّلت الأسهم الأمريكية أسوأ أسبوع لها منذ انهيار “كوفيد-19″، بينما شهدت الأسواق الآسيوية أكبر تراجع لها منذ عقود.
وفي هذا السياق، قال جيمي ديمون، الرئيس التنفيذي لبنك “جي بي مورغان”، خلال إعلان نتائج البنك الفصلية الأسبوع الماضي:
“لا تزال هناك مخاطر كبيرة، بما في ذلك الرسوم الجمركية وعدم اليقين التجاري، وتدهور الأوضاع الجيوسياسية، والعجز المالي المرتفع، وأسعار الأصول المبالغ فيها”.
ونقل تقرير “إنفيسكو”، في نسخته الثالثة عشرة من دراسة إدارة الأصول السيادية العالمية (49 صفحة)، عن أحد مسؤولي البنوك المركزية في أمريكا اللاتينية قوله: “الذهب يعد أداة للتنويع، لكنه في الوقت نفسه وسيلة للحماية وخط دفاع أخير عند فشل باقي الخيارات”.
وتتوافق نتائج الدراسة مع استطلاع أجراه مجلس الذهب العالمي في يونيو وشمل 72 بنكًا مركزيًا. وقد أظهر الاستطلاع أن عددًا قياسيًا من المشاركين يتوقعون زيادة احتياطياتهم من الذهب خلال الـ12 شهرًا المقبلة، حيث قال 43% إنهم يعتزمون تعزيز حيازاتهم من الذهب، مقارنة بـ29% فقط قبل عام.
وقال شاوكاى فان، رئيس إدارة شؤون البنوك المركزية العالمية في مجلس الذهب العالمي: “توقفت الدول الغربية عن بيع الذهب، بينما بدأت الأسواق الناشئة تسارع في الشراء، وتسعى إلى اللحاق بالركب وبناء احتياطيات أكبر”.
وعند الحديث عن مشتريات عام 2024 تحديدًا، أكد فان أن شهية البنوك المركزية تجاه الذهب “لا تشبع”، مشيرًا إلى أن المشتريات تجاوزت حاجز الألف طن للعام الثالث على التوالي.
وتُعد البنوك المركزية أحد المحركات الرئيسية للموجة الصعودية الطويلة لأسعار الذهب، والتي شهدت تضاعف الأسعار منذ أواخر عام 2022، عندما تسارعت وتيرة الشراء في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا.