كتب: وليد فاروق
منذ أواخر عام 2022، يعيش الذهب موجة صعود غير مسبوقة، اخترق خلالها مستويات مقاومة محورية، وحقق 41 رقمًا قياسيًا جديدًا خلال العام الجاري وحده، ومع تجاوز الفضة هي الأخرى مستوى 50 دولارًا للأوقية كأعلى سعر في تاريخها، يقف سوق المعادن النفيسة اليوم أمام نقطة تحول حاسمة، تثير تساؤلات المستثمرين: إلى أين يتجه الذهب بعد هذا الارتفاع القياسي؟
لطالما تساءل المحللون عمّا إذا كان الذهب قد بلغ ذروته بالفعل، فالمؤسسات المالية الكبرى كانت تتوقع منذ مطلع العام أن تصل الأسعار إلى 4000 دولار للأوقية، لكن هذه التوقعات ليست جديدة؛ فقد طُرحت الأسئلة نفسها عندما تجاوز الذهب حاجز 2000 دولار قبل ثلاث سنوات، ثم واجه مقاومة عند 2400 دولار، وعاد الجدل ذاته عندما اقترب من 3000 دولار — وفي كل مرة، كان المعدن النفيس ينجح في تجاوز تلك الحواجز وبلوغ مستويات أعلى.
أما اليوم، ومع تداول الذهب حول مستوى 4000 دولار، يرى الخبراء أن قدرًا من الحذر بات ضروريًا، لأن ما يميز هذه الموجة الصعودية عن سابقاتها هو الارتفاع الهائل في الطلب الاستثماري خلال فترة زمنية قصيرة للغاية.
فبحسب مجلس الذهب العالمي، ارتفعت استثمارات صناديق الذهب المتداولة (ETFs) بنحو 221.7 طنًا خلال الربع الثالث فقط، أي ما يعادل 26 مليار دولار تقريبًا، وهو رقم قياسي جديد رفع إجمالي الحيازات إلى مستويات لا تفصلها سوى نحو 2% عن ذروتها التاريخية المسجلة عام 2020.
ومع ذلك، يبقى السؤال مطروحًا: هل أصبح سوق متشبع بالطلب الشرائي أكثر من اللازم؟
فعلى الرغم من التدفقات الضخمة، لا يزال الذهب يمثل حوالي 2% فقط من إجمالي الأصول العالمية، بينما توصي العديد من المؤسسات الاستثمارية بأن تتراوح نسبة الذهب في المحافظ بين 5% و10%، ما يعني أن هناك مساحة إضافية لمزيد من التوسع الاستثماري.
العوامل التي قادت الذهب إلى مستوى 4000 دولار للأوقية ما زالت قائمة — بل إنها تزداد حدة،ومن بينها الضبابية الجيوسياسية والاقتصادية، والتضخم المرتفع والمستعصي على السيطرة، ومخاوف الركود الاقتصادي العالمي، وتفاقم الديون الحكومية، وتراجع الثقة في الدولار الأمريكي والعملات الورقية عمومًا.
وفي ظل استمرار هذه الضغوط، يصعب القول إن موجة الذهب الحالية بلغت نهايتها.
لكن لا يمكن تجاهل أن سعر 4000 دولار يُعد مستوى قياسيًا، إذ ارتفع الذهب بأكثر من 50% منذ بداية العام، بينما قفزت الفضة بنسبة 71%، محققة أرباحًا قياسية للمستثمرين، لذلك، قد لا يكون تصحيح سعري أو فترة تماسك أمرًا مستغربًا، إذ يعيد المشترون والبائعون تقييم مراكزهم بعد هذه القفزات الحادة.
ويحذر بعض المحللين من احتمال حدوث تصحيح بنحو 10% في الأسعار، قد يدفع الذهب مؤقتًا إلى حدود 3600 دولار للأوقية، لكنهم يشيرون في الوقت نفسه إلى أن الذهب أثبت مرونته العالية طوال موجة الصعود الحالية.
فمنذ انطلاقها في نوفمبر 2022، سجّل السوق فترة تراجع متواصلة واحدة فقط استمرت ثلاثة أسابيع — بين 20 مايو و3 يونيو 2024 — عندما هبطت الأسعار بنسبة 2.8%، بينما كانت أكبر خسارة أسبوعية في نوفمبر الماضي، حين تراجع الذهب بنحو 6.3% خلال أسبوعين قبل أن يرتد صعودًا بنسبة 6% في الأسبوع التالي مباشرة.
وفي النهاية، يبدو أن الآفاق طويلة المدى للمعدن النفيس ما تزال قوية، لكن عمليات جني الأرباح بعد هذا الارتفاع القياسي تُعد خطوة منطقية في نظر المستثمرين.