يشهد سوق الذهب العالمي واحدة من أضخم موجات الارتفاع في تاريخه الحديث، بعد أن قفزت الأسعار بأكثر من 50% منذ بداية عام 2025، لتسجل الأوقية مستويات قياسية تجاوزت 4000 دولار، في ما وصفته صحيفة «فايننشال تايمز» بـ”هوس الذهب العالمي” الذي اجتاح المستثمرين والمؤسسات المالية حول العالم.
موجة شراء غير مسبوقة
تدفّق المستثمرون من مختلف الفئات نحو المعدن النفيس، من الصناديق الاستثمارية الضخمة إلى الأفراد العاديين، وسط اندفاع غير مسبوق لاقتناء السبائك والعملات الذهبية.
ولم يقتصر الإقبال على الأسواق التقليدية مثل الهند وتركيا، بل امتد إلى دول لم تكن تُعرف بتداول الذهب على نطاق واسع، مثل اليابان وعدد من الدول الأوروبية، حتى أن بعض المتعاملين الجدد اضطروا للانتظار أسابيع لتسلّم طلبياتهم بسبب نقص المعروض وارتفاع الطلب.
دوافع الاندفاع العالمي نحو الذهب
يربط التقرير هذا الارتفاع التاريخي بعدة عوامل جوهرية، أبرزها:
-
تزايد المخاوف من أزمات مالية محتملة أو انهيارات ديون في الاقتصادات الكبرى، وتراجع الثقة في سياسات البنوك المركزية.
-
سعي المستثمرين إلى الملاذ الآمن في ظل تصاعد التوترات السياسية وتراجع الاستقرار الاقتصادي في مناطق عدة من العالم.
-
الشراء المكثف من البنوك المركزية، خاصة في الاقتصادات الناشئة، كجزء من خطط تنويع الاحتياطيات بعيدًا عن الدولار الأمريكي.
-
تدفّقات قوية إلى صناديق الاستثمار المتداولة المدعومة بالذهب (ETFs)، ما زاد الطلب الاستثماري على المعدن.
مؤشرات التحذير: هل دخل الذهب مرحلة الفقاعة؟
تُحذر بعض المؤسسات المالية من أن السوق بدأ يُظهر سلوكيات تشبه الفقاعات الاستثمارية، إذ بات كثير من المستثمرين يشترون بدافع الخوف من تفويت المكاسب (FOMO) أكثر من دوافع التحوط أو الاستثمار طويل الأمد.
ويشير التقرير إلى أن الذهب يختلف عن الأسهم أو السندات، إذ لا يحقق أرباحًا أو توزيعات، ما يجعل تقييمه مرتبطًا أكثر بمستوى الثقة والتصورات المستقبلية للاقتصاد العالمي.
ويرى خبراء أن عدة عوامل قد تحدّ من زخم الصعود خلال الفترة المقبلة، من بينها تراجع المخاوف التضخمية أو ارتفاع الدولار مجددًا، واحتمال قيام بعض البنوك المركزية ببيع جزء من احتياطياتها لتعديل مزيج أصولها، وتحوّل المزاج الاستثماري من التفاؤل إلى الحذر أو جني الأرباح.
البنوك المركزية في قلب المشهد
أظهر التقرير أن حصة الذهب في احتياطيات البنوك المركزية (باستثناء الولايات المتحدة) ارتفعت إلى نحو 24% من إجمالي الأصول، مقارنةً بـ 10% قبل عقدٍ من الزمن، في دلالة على التحول الاستراتيجي نحو المعدن النفيس كأداة حماية من تقلبات العملات.
وبحسب التقرير، قيمة الذهب في محافظ البنوك المركزية أصبحت توازي – وربما تتفوق على – قيمة حيازاتها من سندات الخزانة الأمريكية لدى بعض الدول، ما يعكس تراجع الاعتماد على الأصول الدولارية.
محدودية الإنتاج.. وتنامي المخاطر
ورغم الطلب المتصاعد، يشير التقرير إلى أن إنتاج الذهب العالمي لا يمكن أن يرتفع بالوتيرة نفسها في الأجل القصير، وهو ما قد يؤدي إلى اختلال في ميزان العرض والطلب ويدفع الأسعار إلى مزيد من الارتفاع، مع بقاء احتمالات التذبذب الحاد قائمة.