يشهد سوق الذهب تحركات وتغيرات جذرية مدفوعة بمخاوف الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والتحولات المحتملة في السياسات، وتزايد التوترات الجيوسياسية.
يثير فرض الرسوم الجمركية المحتمل على الذهب تساؤلات حول مستقبل تداوله، خاصة بعد أن أمر الرئيس الأمريكي ترامب بدراسة فرض رسوم جمركية جديدة على واردات المعادن الأمريكية الأساسية، فبينما يعتقد البعض أن الذهب معفى من الرسوم الجمركية نظرًا لكونه معدنًا نقديًا، إلا أن البنوك تتصرف كما لو أن فرض الرسوم الجمركية احتمال وارد.
ومن ثم ارتفعت أسعار الذهب العالمي ليسجل أعلي مستوى تاريخي ويخترق حاجز 3300 دولار للأوقية، ووفقًا لمجموعة جولدمان ساكس من المتوقع أن يصل سعر الذهب إلى 4000 دولار للأوقية العام المقبل، أي بزيادة 25% عن مستوياته الحالية.
الوضع الحالي لسوق الذهب: يشهد الذهب طلبًا قويًا مدفوعًا بمشتريات البنوك المركزية، خاصة في الأسواق الناشئة، لتعزيز احتياطاتها وتنوعها بعيدًا عن الدولار الأمريكي، حيث أضافت البنوك المركزية نحو 1045 طنًا إلى احتياطات الذهب العالمية عام 2024، ويعُد هذا العام الثالث على التوالي لتجاوز الطلب على الذهب 1000 طن.[1]
وعلى صعيد الاستثمارات زاد الطلب على الذهب كملاذ آمن في ظل حالة عدم اليقين الاقتصادي والجيوسياسي المستمرة، وقد شهدت صناديق الاستثمار المتداولة المدعومة بالذهب تدفقات قوية في عام 2024، وبداية عام 2025، وعلى الرغم من ارتفاع أسعار المعدن الخام، إلا أنه لا يزال هناك طلب كبير على المجوهرات والمشغولات الذهبية، خاصة في بعض الأسواق مثل الصين والهند، على الرغم من أن ارتفاع الأسعار قد يؤدي إلى انخفاض الكميات المشتراة، مع توقع مجلس الذهب العالمي تراجع الطلب على الذهب في الهند مع استمرار ارتفاع الأسعار بما يتراوح بين 700 إلى 800 طن مقارنة بحوالي 802,8 طن عام 2025، وهو أعلى مستوى منذ عام 2015.[2]
التوقعات المستقبلية للذهب: هناك أراء متضاربة حول احتمالية حدوث نقص عالمي في الذهب، بين عوامل ترجح احتمالية نقص الذهب، وأخري تقلل من احتمالية النقص الحاد في الذهب.
عوامل ترجح احتمالية نقص الذهب أو انخفاض المعروض: تشير التقديرات إلى أن حوالي 20% فقط من احتياطيات الذهب الموجودة في باطن الأرض لا تزال قابلة للاستخراج بما يعنى أن هناك محدودية في الاحتياطات المتبقية، وفي حالة ما إذا استمرت معدلات الإنتاج الحالية فقد يبدأ إنتاج المناجم في الانخفاض بشكل ملحوظ خلال العقدين القادمين ما لم يتم اكتشاف مناجم ذهب جديدة كبيرة، مع ملاحظة أن استكشاف وتطوير منجم ذهب يحتاج في المتوسط من 10 إلى 20 عامًا ليصبح المنجم جاهزًا.
يضاف إلى ذلك الاضطرابات في سلاسل التوريد حيث تؤدي الأحداث الجيوسياسية إلى تعطيل سلاسل توريد الذهب وتأخير عمليات التسليم، وقد بدأت تظهر بالفعل بعض التقارير عن تأخيرات في تسليم الذهب الفعلي، هذا بخلاف ارتفاع تكاليف الإنتاج التي تتحملها شركات التعدين، وهو ما يؤثر على جاذبية تطوير مشاريع جديدة.
عوامل تقلل من احتمالية النقص الحاد في الذهب: يدعم هذا الاتجاه الارتفاع الحالي لأسعار الذهب وهو ما قد يؤدي إلى انخفاض الطلب في بعض القطاعات مثل المجوهرات، كما أن التطورات التكنولوجية في عملية تعدين الذهب تساعد في استخراج الذهب من مصادر غير تقليدية، هذا بخلاف المخزون الكبيرة للذهب فوق الأرض، والمُقدر في نهاية عام 2024 بحوالي 216,265 طن، والتي يمكن أن تساعد في تلبية الطلب إذا لزم الأمر.[3]
وعلى ذلك فمن غير المرجح حدوث نقص عالمي مفاجئ وكامل في الذهب على المدى القصير، ولكن من المحتمل أن يشهد فترات من الضغط على العرض وتأخير في التسليم خاصة في سوق الذهب الفعلي، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى تقلبات كبيرة في أسعار الذهب وربما ارتفاعها على المدى الطويل بسبب التنافس على الكميات المحدودة من المعدن الثمين.
[1] World Gold Council. (2025) Gold Demand Trends: Full Year 2024. Available at: https://www.gold.org/goldhub/research/gold-demand-trends/gold-demand-trends-full-year-2024/central-banks
[2] Rajendra Jadhav, (2025). Gold demand in India to cool in 2025 as prices soar, WGC says. Available at: https://www.reuters.com/markets/commodities/gold-demand-india-cool-2025-prices-soar-wgc-says-2025-02-05/
[3] World Gold Council. (2025) Above-ground stock. Available at: https://www.gold.org/goldhub/data/how-much-gold