قال محللو ساكسو بنك إن سوق المعادن الثمينة شهد تحولات كبيرة في السنوات الأخيرة، وسط تغيرات في عوامل العرض والطلب على الذهب والفضة والبلاتين، بالتوازي مع التطورات الجيوسياسية والتوسع الصناعي، إلا أن هذه المعادن ما تزال تحتفظ بأدوار استراتيجية داخل المحافظ الاستثمارية.
وأكد المحللون أن “المعادن الثمينة مثل الذهب والفضة والبلاتين قد لا تولد دخلاً مباشراً، لكنها لا تزال تحتل مكانة خاصة في الاستراتيجيات الاستثمارية… إذ يلجأ إليها المستثمرون لسبب رئيسي: أنها تتصرف بشكل مختلف عندما تنهار الأسواق.”
الذهب: الأصل المرجعي في أوقات المخاطر
يرى البنك أن الذهب يظل المعيار الأول بين الأصول الآمنة، بفضل دوره النقدي عبر التاريخ، وقدرته على الحفاظ على القيمة في أوقات الاضطرابات المالية.
وأوضح التقرير أن الذهب “لا يُستهلك كغيره من السلع ولا يفقد قيمته، بل يُخزّن”، وهذا ما يجعله مميزًا عن باقي الأصول. فبينما تعتمد معظم السلع على الاستخدام الصناعي، فإن الذهب يحتفظ بوظيفته النقدية أولاً.
وتمتلك البنوك المركزية حول العالم أكثر من 36,700 طن من الذهب، بما يعادل نحو 17% من إجمالي الذهب المُستخرج عالميًا على الإطلاق، وتتصدر الولايات المتحدة وألمانيا والصين قائمة الدول المالكة. ويرى البنك أن هذه الاحتياطيات تعكس رغبة الدول في تنويع الأصول الاحتياطية والحماية من تقلبات العملات أو الصدمات الجيوسياسية.
كما أشار المحللون إلى أن الذهب يُظهر أداءً قويًا “عندما تكون أسعار الفائدة الحقيقية منخفضة أو سالبة، أو عندما تتعرض العملات الورقية لضغوط، أو خلال فترات البيع المكثف في الأسواق.”
لكنهم حذروا من اعتباره أصلًا للنمو، مؤكدين أنه لا يدر دخلاً، وأن “سعره يتأثر بمشاعر السوق، والعوائد الحقيقية، وقوة الدولار أكثر من تأثره بعوامل العرض والطلب التقليدية.”
الفضة: توازن بين القيمة والمستقبل الصناعي
أما الفضة، فهي تجمع بين وظيفتين: مخزن للقيمة وسلعة صناعية، ما يمنحها مرونة فريدة بين المعادن الثمينة، وإن كانت أكثر تقلبًا من الذهب.
ويُستخدم أكثر من 50% من الفضة عالميًا في التطبيقات الصناعية، خاصة في الطاقة الشمسية والتقنيات النظيفة. هذا التوجه يجعلها أقل موثوقية كملاذ آمن مقارنة بالذهب، لكنها أكثر حساسية لدورات النمو الاقتصادي.
ويرى البنك أن “الفضة تُظهر أداءً قويًا عندما يكون التضخم مدفوعًا بالنمو الصناعي، لكنها تتخلف في الأداء عندما يتراجع هذا الطلب.” كما أن انخفاض سعرها النسبي يجعلها خيارًا مفضلًا للمستثمرين الأفراد، في حين تظل صناديق المؤشرات والعقود المستقبلية وسيلة مناسبة للاستثمار المؤسسي.
البلاتين: معدن صناعي بامتياز
يتميّز البلاتين بندرته وأهميته الصناعية، إذ يُستخرج أساسًا من جنوب أفريقيا وروسيا، ما يجعله عرضة لمخاطر جيوسياسية. ويُستخدم البلاتين بنسبة 40% في قطاع السيارات، لا سيما في المحولات الحفازة لمحركات البنزين، بالإضافة إلى استعماله في تكرير النفط والأجهزة الطبية، وله دور ناشئ في تقنيات خلايا الوقود الهيدروجينية.
لكن وتيرة الطلب على هذه التطبيقات “لا تزال دون التوقعات”، بحسب ساكسو بنك.
ويواجه سوق البلاتين تحديات هيكلية، أبرزها عجز متوقع في المعروض يبلغ 848 ألف أونصة في 2025 نتيجة انخفاض الإنتاج والتدوير. كما أن الأسعار تتأثر بتبدّل الطلب بينه وبين البلاديوم في تصنيع السيارات.
ورغم ذلك، يظل البلاتين خيارًا “مضاربيًا” مناسبًا للمستثمرين الباحثين عن فرص في السلع الصناعية المرتبطة بالتكنولوجيا وتوازنات السوق.
فوائد ومخاطر الاستثمار في المعادن الثمينة
يتميز بالتنويع داخل المحفظة، والتحوط من التضخ، وانعدام مخاطر الطرف المقابل، والسيولة العالية وسهولة الوصول، وقابلية النقل
لكن من السلبيات: غياب العوائد الدورية، وتقلب الأسعار، وتكاليف التخزين والتأمين، وآثار ضريبية محتملة، ومخاطر سلوكية في التداول قصير الأجل.
كم ينبغي أن يستثمر الأفراد؟
يوصي البنك بأن تتراوح حصة المعادن الثمينة بين 2% إلى 5% من المحفظة الاستثمارية للمستثمرين المحافظين – تتركز في الذهب – بينما تصل إلى 10% في المحافظ المتوازنة أو الحساسة تجاه التضخم، لا سيما في فترات عدم الاستقرار النقدي أو تراجع قيمة العملات.
“الذهب والفضة والبلاتين ما زالوا يحتفظون بأهميتهم، لا لأنهم يستجيبون لكل تقلب في السوق، بل لأنهم يتصرفون بشكل مختلف حين يكون الأمر مهمًا”، ختم المحللون.
“فالذهب يوفّر الاستقرار عند تراجع الفائدة الحقيقية، والفضة تعكس التضخم والنشاط الصناعي، والبلاتين يلتقط تحولات العرض والطلب الصناعي.”